المتنبي ملأ الدنيا و شغل الناس

mainThumb

12-10-2020 01:12 PM

السوسنة - المتنبي خلاصة الثقافة العربية في النصف الأول من القرن الرابع للهجرة، فترة النضج الحضاري في العصر العباسي، وفترة التصدع السياسي.
نشأ في هذه الفترة المضطربة، وكان بذكائه واعيا لما يحدث منذ صغره، فنشأ رافضا، رفض هذا الواقع السياسي، ورفض اتصال العرب بالأعاجم، ورفض الخمر،  ورفض المرض، و رفض الفخر بالقبيلة، ويتعذر أن نرى في تاريخ الإنسانية شاعرا كبيرا يرضى بواقعه، لأن الفنان والشاعر أعمق الناس شعورا بالنقص وأشدهم ظمأ إلى الكمال.

 

يقول عنه ابن رشيق "ملأ الدنيا و شغل الناس" ، ولعل ما يميز شعره أنه يعطي صورة تامة عن شخصيته وصفاته.

 

المتنبي، هو أحمد بن الحسين الجعفي، و لد عام 303 هـ في حي من أحياء الكوفة اسمه كندة، ربته جدته لأمه فتعلق فيها، وفي أول حياته ذهب للكتاتيب ودرس فيها، ورحل إلى بادية السماوة – تقع بين بلاد الشام والعراق - مع والده سنة 312 هـ، وذلك بعد أن أغارالقرامطة على الكوفة .

 

اكتسب من البادية السليقة اللغوية، والثقافة الواسعة،  فحفظ كثيرا من الأخبار والأشعار، وبدأت شخصيته الفروسية تتشكل في البادية، ثم عاد إلى الكوفة واستمر بتلقي العلم، واطلع على آراء بعض العلويين، وآراء المتصوفة، وغادر الكوفة أكثر من مرة لأنه يريد أن يستزيد من العلم ثم رحل إلى بغداد، و تردد إلى المكتبات  ودكاكين الوراقين.

 

وكان المتنبي معتدا بعروبته لا يمدح الأعاجم  ولا الضعفاء، وهذا المنبع الأساسي الذي نبع منه شعره، وقام بثورة في البادية، الهدف منها القضاء على الأعاجم، وإعادة ما كان للعرب من عز وسؤدد ، لكن ثورته هذه قضي عليها من قبل لؤلؤ والي حمص التابع للإخشيدي حاكم مصر، وحبسه سنة 322 هـ ، ومن هنا بدأ الناس يقولون أنه ادّعى النبوة، إلّا أنه لم يفعل ذلك، ولكن لقب بالمتنبي لعدة أسباب :

 

أولا : بسبب فطنته و عبقريته و بلاغته و نبوغه الشعري .


ثانيا : شبه نفسه في بضعة أبيات بالأنبياء ، يقول :
ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود      أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود


ثالثا : يقال أن المتنبي من النبوة وهي ما ارتفع من الأرض، ونبا الشيء أي ارتفع، أي أنه ارتفع بشعره عن كل الشعراء.

يسمعون حسيسها .. رواية من أدب السجون

وبعد سجنه بدأت مرحلة جديدة من حياته، أمضاها متنقلا في بلاد الشام، يمدح الأمراء والقواد، لكنه لم يقدّر حق قدره، وقد كان يقسم القصيدة بينه وبين الممدوح، نصفها للمدوح، والنصف الآخر له، يشكو فيه الزمن.

 

تمنى المتنبي أن يصل إلى سيف الدولة الحمداني ويمدحه بعد أن سطع نجمه في شمال بلاد الشام، واستطاع أن يصل إليه عن طريق أبي العشائر الحمداني – ابن عم سيف الدولة – أمير أنطاكيا، فتعرّف المتنبي على سيف الدولة، ومدحه بقصيدة، و دعاه سيف الدولة ليرحل معه إلى حلب سنة 337 هـ،  وأقام معه في حلب حتى عام 346 هـ.

 

وقد أعجب المتنبي بسيف الدولة لأسباب كثيرة، فقد كان سيف الدولة قائدا شجاعا محاربا، يحارب البيزنطيين، ويدافع عن ديار العرب والمسلمين، وكان عربيا كريما حليما، ووجد فيه المتنبي المثل الأعلى للحاكم، يضاف إلى ذلك أنه كان شاعرا و ناقدا مثقفا، ضم بلاطه الكثير من الشعراء و العلماء، وهؤلاء فاض بهم الكيل وتمكنت منهم الأحقاد، فكادوا للمتنبي عند سيف الدولة، ووشوا به، فتغير سيف الدولة عليه، فرحل المتنبي عنه إلى مصر عند كافور الإخشيدي، لكن الإخشيدي لم يوف بما وعد به المتنبي، فهجاه المتنبي و رحل عنه.

 

وراح المتنبي يتنقل بين البلدان بعد ذلك، واستقر في الكوفة أخيرا، إلى أن قتل ومعه ابنه وغلامه سنة 354 هـ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد