لم يرحل وصفي أبدا، بل هو حي في نهجه المسؤول قدوة وقوة وأمانة... مضى على درب الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون، مضى إلى رحاب الله الأوسع من رحابنا على درب الشهيد الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين طيب الله ثراه... مازالت خطاك يا وصفي ماثلة في قلوب وعقول القابضين على جمر حب الوطن فعلا وقولا ... وما زال فكرك مدرسة لكل عربي وأردني مخلص ... وبقيت أقوالك راسخة كرسوخ جبال الشراة ومرتفعات السلط وهضاب عجلون... وبقيت سيرتك ماثلة أمام أعييننا الى اليوم، فسهول حوران والشوبك وجلعاد إشتاقت لمضاءعزيمتك ونبل سواعدك وسمرة وجهك التي لوحتها شمس هذه الأرض التي عشقت تحمل عنوان العمل والصدق والإنتماء لوطنك الأردن الذي بذلت من أجله دمك الطاهر الزكي.
أي وصفي، لقد ولدت حرّا أردنيا عربيا أبيّا وعشت طودا شامخا في سماء هذا الثرى الذي احببت وفضاءات قضايا الأمة التي أردت لها الخير والنهضة، كما كنت أردنيا شهما مخلصا لوطنك ولقائد الوطن رفيق الدرب راحلنا العظيم حسيننا الباني، لم تهادن أحدا على باطل، وكنت جنديا صلبا بالدفاع عن قضايا الوطن وفارسا شهما من فرسان الأمة التي أردت لها النهضة والعزة غير آبه لمخاطر أصوات النشاز ونعيق الغربان من الفاسدين والمتآمرين التي سعت لاغتيال مشروع الحق والنزاهة والنهضة الذي تحمل... مازلت في ذاكرتنا الوطنية لأنك لم تعقد صفقات هنا أو هناك من أجل دراهم معدودة أو من أجل منفعة خاصة أو مال قذر كما يفعل الاتتهازيون وتجار المصالح الذين إنتفخت بطونهم بالمال الحرام وتراكمت ثرواتهم الشخصية على حساب الوطن والأمة، لا هم لهم إلا ذواتهم وإرضاء أنانيتهم المفرطة، حيث تغيرت المفاهيم وإنقلبت الموازين عندهم وفسدت الضمائر، فالوطن بالنسبة لهم حقيبة سفر وأخذ لا عطاء. لقد مضيت أيها الأردني الأصيل والعربي الأمين في نهجك النزيه في تحريم المال العام وزرعت في نفوس الأردنيين أن الأرض لا يحرثها إلا ابناؤها المخلصون الصادقون، وأن الوطن لا يبنى إلا ببذل أرواحنا رخيصة لتعلم الأجيال أن الوطن أكبر منا جميعا.
سيبقى نهجك يا وصفي راسخا في ضمير كل مخلص أحب وطنه وأمته... فكنت الحريص على مقدرات الوطن يحيط بك الرجال الأوفياء العاملون الصادقون والحماة الأباة... فغرست نهج حرمة المال العام وكنت انموذجا وقدوة للمسؤول النظيف، لم تغرك الأموال ولم تكن من أصحاب البزنس الذين أثروا على حساب وطنهم وشعبهم ... فلقيت وجه ربك والديون عليك، لأن يديك لم تمتدا الى حرام وكان الفاسدون ترتجف اياديهم أمام نظافة يدك وقوة شكيمتك في مقارعة الفاسدين والمترهلين... وغرست نهج الإنتماء الصادق ممارسة وعملا.
إن أشباه الرجال والجبناء الذين إمتدت أياديهم الغادرة الى إغتيالك ما زالوا يرتعدون خوفا وجزعا من شموخك الوطني الصادق وهيبة طلتك البهيّة لأنهم يدركون أنهم إغتالوا مشروعا وطنيا صادقا حيث أن الأمانة والخيانة لا يجتمعان، والصدق والكذب لا يلتقيان، ولأن من يعمل لوطنه لا يلتقي مع من يعمل لكسب مغنم رخيص، ولأن نظافة اليد لا تلتقي مع الفساد والفاسدين والمفسدين.
رحمك الله يا وصفي يا من حرثت الأرض بنفسك وزرعت مما تنتج من خيراتها بنفسك وكانت الزراعة محورا هاما من محاور الإقتصاد الوطني، لأنها مصدر قمحنا وبيادرنا وكبريائنا الوطني، كما كانت الرقعة الزراعية المنتجة أرض محرّمة على بناء الحجارة والتطاول بالبنيان، لأنها تدخل ضمن سيادة الوطن وتأمين غذائنا بجهدنا وعرق جبيننا. ومضيت الى رحاب الله لم تورث درهما ولا دينارا، بل تركت الديون تراكمت عليك لأنك آمنت أن اليد التي تعبث بالمال العام ومقدرات الوطن هي يد فاسدة قذرة وغير نظيفة، وكانت نفسك الأبية تأبى على مصافحتها، وكانت هذه الأيدي لا وجود لها في قاموسك الوطني الذي مارسته سلوكا وأمانة وجرأة استندت الى عقيدتك العسكرية الفذة وإيمانك المطلق بأن بناء الأوطان لا تبنيه إلاّ السواعد المؤمنة بربها المنتمية لوطنها وقيادتها الهاشمية سلوكا وممارسة بعيدا عن التسويف والتنظير حيث لم يتجرأ أحد في زمنك أن يتهاون في واجب أسند اليه، ولم يكن وجودا لمتقاعس في مؤسسات الوطن، وكنت تغرس مباديء أمانة المسؤولية والإنتماء الحقيقي لأردنيتك الصادقة التي ما تعارضت لحظة مع صدق إنتمائك لقضايا أمتك. لقد مضيت وأنت مرتاح الضمير فطوبى لك يا أبا مصطفى وطوبى للغرباء من أمثالك في هذا الزمن الصعب الذي تم الدوس فيه على المباديء من قبل تجار المواقف والإتتهازيين.
لقد كنت يا وصفي بحق مشروعا وطنيا سعيت إلى بناء قوة متماسكة نظيفة قادرة على مواجهة كل المؤمرات التي تريد النيل من عزيمة الأردن الهاشمي الوجه والعربي الرسالة، وستظل قطرات دمك الطاهر نبراسا لكل المخلصين وقصة ترويها الأجيال أن الأرض الأردنية تفديها أرواحنا ودماؤنا لتبقى أرض هذا الثرى عصية على كل الحاقدين. نعم، ستذكرك يا وصفي تضاريس هذه الأرض المباركة ...سيذكرك القيصوم والزعتر والشيح والدحنون.... ستذكرك تلك الأرض التي حوّلت طرقاتها وجبالها الى غابات خضراء وستذكرك سهول بلادي بقمحها وزيتونها لتزرع الكرامة في النفوس.
لك الخلود يا وصفي وللغادرين الذين وجهوا رصاصات الغدر والخيانة إلى جسدك الطاهر الخزي والعار وإلى يوم يبعثون، فنم قرير العين يا حبيب الأردنيين والمخلصين والمنصفين من ابناء هذه الأمة فقد عشت أبيّا مرفوع الهامة لم تهادن باطلا ولم تخفض جناحا لمعتد أثيم وكنت الوفي لهذا التراب الذي عشقت، كما كنت سندا وعونا لأغلى الرجال حسيننا العظيم الذي عرف معادن الرجال الصادقين الأوفياء الى أن لاقيت ربك راضيا مرضيا، وسلام عليك مع الخالدين في مقعد صدق في عليين، وسلام على كل من يسير على نهجك بصدق انتمائه لثرى الأردن الطهور، وحمى الله الأردن أرضا وإنسانا ومقدرات ودام جلالة مليكنا عبد الله الثاني بن الحسين المفدى عنوان سيادتنا ورمز هويتنا سيدا وقائدا.