مشكلة الأحزاب الإسلامية

mainThumb

22-04-2025 09:50 PM

وفقًا لمنظور علمي فاحص للسلوك التنظيمي للأحزاب الإسلامية، وتحديدًا منذ عام 1928، فإن مخرجاتها السلوكية تُظهر اعتمادها على قرارات وقواعد تعتبرها هيكلًا تنظيميًا راسخًا في أداءها. وهذه الأدوات أخرجتها عن جوهر العباءة ذات الخلفية الدينية التي تدّعي الاستناد إليها، وتخالف في جوهرها تعاليم الدين الإسلامي.
فهي جماعات تفتقر إلى مؤهلات قيادة مشروع اجتماعي حقيقي؛ لافتقارها للجوهر المدني الذي تحتاجه المجتمعات، وتعيش في صراع وجودي وكأنها خارج إطار الزمان والمكان، وقد مرت بتجارب فاشلة لم تؤدِّ إلا للفوضى في مختلف دول العالم.
مشكلة هذه الأحزاب، أفرادًا ومؤسسات - إن جاز التعبير - أنها تعتمد على التمييز بين أعضاء الحزب والمنتمين له وبين بقية أفراد المجتمع. فهم يرون أن المجتمع لا يرتقي إلى مستواهم "الانضباطي" في الدين، حتى وإن كان الفرد يصلي ويصوم، لكن عضو الحزب - في نظرهم - أكثر تماسكًا في فهم العقيدة.
هم ينظرون إلى الفرد، حتى لو صلى الدهر كله، أن صلاة عضو الحزب لو مرة واحدة، هي الأفضل والأقرب! يصدرون خطابًا يحمل النعت والكراهية تجاه الآخرين، ويجب أن يُطلق عليهم "حزب اللا"، لأنهم يرفضون كل شيء، حتى وإن كان صائبًا.
فالشخص العادي، بمجرد أن ينتمي إليهم، يبدأ بالنظر إلى الآخرين بأنهم عالة على الدين، وأنهم غير أكفاء مهما قدموا من التزامات أو أعمال.
أنا لا أتكلم من باب التنظير، بل من خلال تفحص سلوك واقعي قسم المجتمع إلى درجات، حتى أن من دخل حقل أفكارهم بدأ بإنكار ونعت الآخرين. تجد مثلًا زوجة حضرت دروس الذكر تتهم زوجها بالكفر، وابنًا يرفض والده، وفردًا يحقد على مجتمعه، وطالبًا يكره مدرسته لأنها تضم دروس موسيقى، ويعلن هجومًا ثقافيًا على كل سلوك مجتمعي.
معظم مواهبهم تقع في دائرة التكفير، وصيانة السلوك الشكلي، حتى وصل بهم الأمر إلى الامتناع عن الصلاة في المسجد لأن الإمام من أتباع "طريقة فلانية".
الأحزاب الإسلامية لم تقدم إنجازات علمية أو اختراعات أو مفاهيم تخدم المجتمع على الإطلاق. فهي بعيدة عن التطور والصناعة والاستثمار، سواء البشري أو المادي. رأس مالها هو خطاب انفعالي مفرغ من مضمونه، يصور للعامة أن الجميع ضال، وأنهم وحدهم من يسعى لإعادة برمجة الشعوب!
لكنهم لم يقدموا أي منهجيات واقعية لحلول لوجستية تسند المجتمعات. بل على العكس، هم نموذج للتصرفات غير المسؤولة. فحجم الأموال التي استحوذوا عليها تجاوز 4 مليار دولار، حسب تقديرات دولية خلال السنوات الماضية.
السؤال: كم ملجأ بنوا في غزة لحماية المدنيين كما بنوا لهم أنفاقًا؟ كم محلًا فتحوا للشباب العاطلين عن العمل؟ كم بحثًا علميًا دعموه؟ كم عالمًا منتمٍ إليهم قدَّم جديدًا للبشرية؟ الجواب واضح: لا شيء سوى بث الكراهية والمعارضة.
وكم هي نسبة مساهمتهم من أموالهم في دعم الأسرة الفقيرة والمحتاجة؟!
وبما أن للدين تأثيرًا معنويًا على الناس، فقد استغلوا الإطار العام للدين لجلب المنافع، دون أن يكون لهم أي يد بنّاءة في المجتمع. في ظل خليط من الفلسفة الكلامية والشعارات الرنانة والمسيرات الاستعراضية، يقدمون أنفسهم وكأنهم الأقدر على "إصلاح" المجتمع المنحرف في نظرهم.

هم يكفِّرون كل المنهجيات والطوائف والطرق الأخرى، وأحزابهم قائمة على رفض المجتمع بالكامل. تصرفاتهم، أفرادًا وأحزابًا، تُحيّر العقل بسبب سلوكياتهم الناقصة والمتناقضة.
المحامون في مكاتبهم يعلمون كم من أفراد هذه الجماعات يعلن التزامه الديني، لكنه يرفض توزيع الإرث، أو يضيع الحقوق، أو يتسبب في خسائر مالية للأعمال، متذرعًا بأن هذا "قدر الله وما شاء فعل"!
صانعو الأزمات هؤلاء لا يمتثلون لأبسط تعاليم الدين. لن تجد لهم مساهمات حقيقية في بناء المجتمع، أو إطلاق مشاريع، أو حلول اقتصادية، بل تجد انفصامًا في السلوك والتعاملات.
هم يوزعون الرتب والألقاب على أتباعهم لتكريس الطاعة العمياء. يختارون ضحاياهم بعناية من المهمشين، ويغدقون عليهم ألقابًا تشعرهم بقيمة ذاتهم الضائعة. هذه هي النظريات التي تقوم عليها هذه الأحزاب، والتي تبرر لهم إثارة الفتن، والدمار، والخراب، في سبيل ما يسمونه "تحقيق معالم الطريق الديني".
إنهم بحاجة فعلية إلى مراكز إعادة تأهيل، مثل مراكز علاج الإدمان. لا يمكنك محاورتهم بمنطق؛ فهم يتمسكون فقط بالشكليات الدينية دون الجوهر، ومعظم كتبهم تجيز الدمار والدماء لتحقيق أهدافهم.
ورغم كل ذلك، فهم في أروقتهم المغلقة لا يمانعون العمل مع أي جهة تقدم لهم أموالًا سخية دون مجهود.
كل الدول حاولت استيعابهم دون جدوى، وأتاحت لهم دخول البرلمانات والمؤسسات، لكن النتيجة كانت فوضى من الفتاوى والرفض والكراهية.
حتى في أوروبا، حيث استُقبلوا لاجئين، قُدمت لهم الرواتب والطعام والرعاية، فكان الرد نشر خطابات الكراهية والتكفير ضد من احتضنهم.
كيف يدّعون أن "الإسلام هو الحل"، والله تعالي يقول: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"؟
كيف يقدمون أنفسهم أن الإسلام هو الحل، والقران ينص: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"؟
كيف يدّعون أن الإسلام هو الحل، والقران يقول: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا"؟

الديانات كافة، سواء اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية، جاءت بما يرقى بالبشرية، لا بما يضرها.
لم تدعُ أي ديانة إلى الضلال أو تبيح الدمار أو الحرام. كلها جاءت بتعاليم تحث على حسن التعامل.
المشكلة تكمن في سلوك الإنسان، وليس في الديانات نفسها.
قانون السير واضح، لكن المشكلة في سلوك السائق. وقانون التعليم ثابت، والمتغير هو سلوك الطالب.
الدين المسيحي، مثلًا، هو دين السلام، ومع ذلك طُحنت البشرية في الحربين العالميتين.
وهذا يوضح أن الكارثة كانت في تصرف البشر، لا في الدين ذاته.
فكفّوا عن ربط الأداء البشري بالدين.
لا يجوز أن يُستخدم الدين كغطاء لجني منافع شخصية أو مؤسسية، ولا يجوز لأي جهة أن تخرج عن منطق الواقع تحت ستار ديني.
حتى فرق كرة القدم أصبحت تهتف "للقدس والجهاد"! ولا أعلم العلاقة بين الرياضة الترفيهية ورفع شعارات دينية.

أختم حديثي بقناعة تولدت لدي عن يقين، قد تُصدم البعض:
مشكلة فلسطين لن تُحل، مهما كانت الحلول، إلا في آخر الزمان.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:

﴿ وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾

والله لو اجتمعت مدافع الأرض على أن تكون مدفعًا واحدًا، وأسلحة الأرض على أن تكون سلاحًا واحدًا، وجنود الأرض على أن يكونوا جنديًا واحدًا، فلن يغيّر ذلك إرادة السماء.
القدس أرض خلاف، لا تُختزل في تصور دنيوي أو قانوني، بل هي أرض نزاع أبدي.
أنبياء بني إسرائيل كلهم دُفنوا في فلسطين قبل الإسلام، والمسيح وُلد فيها، والرسول أُسري به منها.
ولا حلّ إلا بحل الدولتين، ضمن إطار الشرعية الدولية والسلام.
الخلاف الحقيقي ليس مع اليهودية أو المجتمع اليهودي، بل مع الصهيونية.
واختلافنا ليس مع الإسلام، بل مع الجماعات الإسلامية.
وعلى الجميع الرشد والامتثال والخضوع للقانون الدولي.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد