احتكار السلاح والتعددية السياسية

mainThumb

22-04-2025 01:45 AM

حتى يتم الانتقال الديمقراطي في أي بلد، وحتى يتم الدفاع عن التعددية السياسية التي تسمح بتعدد الآراء وتدافع عن حق الناس في ذلك، وحتى تترسخ قيم الديمقراطية الحقة، وبناء المؤسسات القوية الرافعة للتعددية، لا بد من تحقق شرط أساسي لا مجال للبس فيه هو، سلمية العمل، وأن السلاح، حملا وتصنيعا واستيرادا وتصديرا، حكر للدولة. ليس من حق احد غير الدولة، وبغض النظر عن الأسباب، أن يقوم بأي من هذه الأعمال، لأن السلاح بغير يد الدولة يتعدى على سيادتها، كما يتعدى على حقوق باقي قوى المجتمع، ويضر بالأمن الوطني والقومي. سلمية العمل السياسي شرط ضروري لتقدم المجتمع نحو الديمقراطية، من لا يعترف بذلك لا يؤمن بالديمقراطية ولا يمكن له أن يساهم في بنائها.
لست ممن يؤمن بانفعالية الردود، خاصة في ضوء ما جرى في الأردن من اكتشاف شبكة من الأشخاص، الذين يصنعون الأسلحة والصواريخ والمسيرات، ولن اقتنع بأي من الأسباب، التي قد تساق لتبرير هذا العمل، وأترك الحكم في النهاية للقضاء. ما يعنيني بشكل مباشر مدى الضرر، الذي تم بعملية التحديث السياسي في الأردن، والانتقال المتدرج والجاد نحو حياة حزبية نيابية ديمقراطية راسخة في الأردن.
فإن كان هذا العمل ناتجا عن أفراد لم يقوموا به، نتيجة تنسيق مع أي قوى سياسية، فالحكم في ذلك راجع للقضاء.. وإن كانت تبريرات البعض بأن الهدف من هذا العمل مساندة المقاومة الفلسطينية، فليس من حق أي قوى سياسية أن تقوم بذلك. يجب أن يكون هذا المبدأ واضحا وضوح الشمس، لا لبس فيه وليس عرضة للتأويل.
لقد مر لبنان بتجربة مشابهة، شاء فيها أن يبقي «حزب الله» السلاح بيده حتى بعد أن انتهت الحرب الأهلية هناك، قبل أكثر من ثلاثين عاما، وحتى بعد أن سلمت كل القوى الأخرى سلاحها للدولة. برر «حزب الله» قراره هذا باستمرار إسرائيل احتلالها لأراض لبنانية، وكأن قرار محاربة إسرائيل بيده وليس بيد الدولة. وتبين بعد ذلك أن الحزب استعمل هذا السلاح أو التهديد به، لفرض سيطرته على القرار السياسي اللبناني، فساهم في ذلك ـ وإن لم يكن السبب الوحيد ـ في حالة من التعطيل السياسي والاقتصادي للبلاد، وفي شل مجلس النواب وعدم انتخاب رئيس للبلاد لمدة سنوات. وفي مجال مقاومة إسرائيل، فقد انتهى الحال لتدمير عدد كبير من القرى الجنوبية، وعدم استرجاع مزارع شبعا. هناك إدراك واسع اليوم لدى الجميع في لبنان، حتى لدى «حزب الله» بأن تسليم السلاح للدولة اللبنانية بات ضرورة، وإن ليست شرطا كافيا، لانتقال لبنان لمرحلة جديدة تبشر بالخير.
لا نريد، ولا يجوز، أن نكرر التجربة اللبنانية. ولن تكون الحياة السياسة في الأردن بعدما حدث كما كانت قبله. نترك للقضاء الحكم على كل ما جرى أمنيا، وإلحاق العقوبات اللازمة على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن، لكن هناك أيضا مسؤولية سياسية للقوى كافة، التي تريد العمل السياسي والانتقال لحالة متقدمة من التعددية السياسية والديمقراطية. هناك مسؤولية مضاعفة اليوم من القوى الإسلامية، كما غيرها من القوى المدنية، لإعلانها الالتزام المطلق بسلميّة العمل كما بعدم زعمها احتكار الحقيقة.
إن المسؤولية الجماعية في الأردن اليوم هي، التشبث بالتعددية السياسية السلمية، التي من شأنها الاعتراف بحق الجميع في آرائهم السياسية ونهج حياتهم، لا يقوم بتخوينهم أو تكفيرهم أحد، وفي الوقت نفسه التشبث أيضا بسلميّة العمل والتسليم باحتكار الدولة للسلاح والوقوف الواضح ضد كل من يخالف هذين المبدأين، يحكمنا في ذلك الإطار الدستوري ولا إطار غيره. بغير ذلك، نساهم في تقويض الأمن وفي تقويض الانتقال الديمقراطي أيضا.

وزير الخارجية الأردني السابق






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد