هل يستحق الجيل الجديد الثناء
قبل أكثر من سنة كتبت في جريدتنا هذه مقالا بعنوان «عبد الجبار الرفاعي: أنا أقرأ إذن أنا موجود»، تناولت فيه كتابه «مسرات القراءة ومخاض الكتابة»، وفي قراءتي للكتاب استوقفتني فكرة بدت لي مفاجئة، حتى لا أقول غريبة، عن موقف الرفاعي من جيل الشباب، كتبت عنها «عبد الجبار الرفاعي الذي نشأ في بيئة تقليدية محافظة، وقضى سنوات طويلة من عمره دارسا ومدرسا للعلوم الدينية وهو حاصل على ماجستير في علم الكلام ودكتوراه في الفلسفة الإسلامية، يملك مرونة فكرية متسامحة مع الجيل الجديد وآليات اكتسابه للمعرفة»، ولم أركز عليها كثيرا باعتبار أن مقالي كان عن كتابه المخصص للقراءة والكتابة، لذلك كنت سعيدة بصدور كتاب له يشي عنوانه «ثناء على الجيل الجديد»، بأن ما تناوله باقتضاب في كتابه السابق قد استوى مؤلفا مستقلا، وإن كانت سعادة مشوبة ببعض الخيبة، فما يمس مباشرة موضوع العنوان لا يتجاوز ثلث الكتاب، أي ستين صفحة من صفحاته التي قاربت المئتين، وكنت أتمنى أن يحمل العنوان ما يشي بذلك كأن يضاف إليه ما يشير إلى عدم اقتصاره على الثناء على الجيل الجديد فقط.
يعي الرفاعي أن هذه العتبة النصية الأولى، أي العنوان ستفاجئ قارئيه، بل وتستفز مجايليه الذين «يكابدون صراعا مع الأبناء»، وهو حال الكثيرين، كما أنها تحمل مقابلها الضمني اللامنطوق الذي قد يرد على ذهن هؤلاء القراء، أي «هجاء الجيل القديم»، رغم أن مديح جيل لا يستدعي بالضرورة ذم الجيل المقابل له. ويمكن للجملتين اللتين افتتح بهما المؤلف كتابه، أن تكونا إضاءة أولى على المقصود من العنوان، فقد جاء فيهما «تعلمت من أبنائي أكثر من آبائي.. تعلمت من تلامذتي أكثر من أساتذتي»، وعن هؤلاء الأبناء والتلامذة قدم لنا عبد الجبار الرفاعي كتابه، في مقدمة وسبعة فصول متفاوتة الطول، ما له تعلق بموضوع الكتاب هما الفصلان الأول بعنوان، «ثناء على الجيل الجديد» والثاني بعنوان «التربية خيارها الحصانة لا المنع» مضافا إليهما الفصل السادس بعنوان «أمية الأساتذة الثقافية والرقمية»، الذي كنت أفضل أن يأخذ مكانه الطبيعي بعد الفصلين الأولين لارتباطه العضوي بهما.
في مقدمة الكتاب يوضح لنا الكاتب أنه لا يريد «أن يكون محاميا عن جيل يتميز بالجرأة والوضوح والمباشرة في التعبير عن ذاته وهمومه»، بل يعتبر ما كتبه محاولة منه لتفسير مميزات جيل الأبناء، التي أهلتهم للتفوق على آبائهم، فهذه الفكرة يقينية عند الكاتب، يبدأ بها ويعيد، ولا يحتاج للدوران حولها، بل يعلنها قطعية بأن جذوة الشباب تلهمه أكثر من حكمة الشيوخ. ويورد في الفصل الأول -الذي استعار منه الكتاب عنوانه والمجزأ إلى خمسة أجزاء – مقارنة بين الجيلين محسومة سلفا للجيل الجديد، الذي يراه الكاتب نسيجا مركبا معقدا، أسئلته صعبة تشبه عالمه، في حين أسئلة أسلافه بسيطة، فهذا الجيل واقعي لا يصدق الأوهام ولا يتشبث بالأحلام، ولا يصل إلى اليقين بسهولة، مقابل آبائه الرومانسيين الحالمين المولعين بعبادة الأصنام البشرية، من زعامات دينية وسياسية، وأعتقد أن هذه النقطة ليست بالضرورة ذات لونين أسود وأبيض، ولعل منطقتها الرمادية أوسع مساحة، فللجيل الجديد -الذي يراه الرفاعي مولعا بتحطيم الأصنام- أصنامه أيضا من فنانين ونجوم سينما ومؤثرين.
وفي سياق المقارنة أيضا يرى أن جيل الآباء مولع بالحزن، أما الكثير من الأبناء فمولعون بالفرح، وأعتقد أن هذه الفكرة مبنية على اعتبارات شخصية لها علاقة بانتماء الكاتب الطائفي والقطري، ولا يمكن تعميمها إضافة إلى أن طبيعة الشباب مرتبطة بالحيوية والانطلاق، أما الجيل الذي يقترب بخطوات حثيثة من نهايته فلا تنطبق عليه سوى أغنية قحطان العطار «يكولون غني بفرح وأنا الهموم غناي»، أما أقرب المقارنات واقعية، ما ذكره الكاتب من إمكانية تفريغ الجيل الجديد غضبه في وسائل التواصل، فيتحرر من كبته، مقابل جيل مكبوت أوصدت في وجهه أبواب الفضفضة فتحول كبته إلى عقد، لذلك وردت كثيرا في كتبنا التراثية عبارة «مات كمدا» الموجعة.
يرجع عبد الجبار الرفاعي هذا التفوق لجيل الأبناء على جيل الآباء إلى الفجوة التي أحدثتها التكنولوجيا في العقود الأخيرة، ويرى أن الفجوة بين جيله وجيل آبائه ضيقة، في حين أنها بين جيله وجيل أبنائه واسعة بسعة العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي، ويعطي مثالا عن حفيدته ذات العشر سنوات، التي تستهلك وقتها منذ أن تفيق صباحا في وسائل التواصل ومواقع الإنترنت ليختصر الفرق بينهما بهذه الجملة الموجزة «تدهشني سميراميس حين تتحدث بما تعلمته من اليوتوب ووسائل التواصل، تعرف أشياء ما زلت أجهل كثيرا منها». فالتكنولوجيا الحديثة التي تجلت في مختلف وسائل التواصل وفي تطبيقات الذكاء الاصطناعي مؤخرا، هي التي صنعت هذه الهوة الرقمية التي تتسع بسرعة ضوئية بين الجيلين: جيل ورقي تقليدي في طريقه إلى الانقراض، وجيل رقمي يمتلك «مهارات متنوعة في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي واستخداماتها المتنوعة، في تأمين متطلبات حياته المختلفة»، دون أن يقع الكاتب في فخ الإعجاب الأعمى غير المشروط بالعصر الرقمي، فقد يحمل في ثناياه حربا نووية شاملة، أو أوبئة غامضة مميتة وما وباء كوفيد منا ببعيد، أو تغيرات مناخية تجاوزت الاحتباس الحراري إلى «الغليان الحراري العالمي»، أو عبث علماء الوراثة بالجينات وإنتاج كائن غريب متوحش يقضي على الإنسان، أو تطوير أنظمة الروبوتات والذكاء الاصطناعي إلى مستوى يفوق إمكانية الإنسان على تسييرها والسيطرة عليها والتحكم فيها. ولكن هذه المخاوف لا تلغي ما أحدثته التكنولوجيا الحديثة في حياتنا من تحسينات استفاد منها جيل الشباب أكثر من غيرهم لأنهم ولدوا في أحضانها، فقد أزالت الطبقيات بمختلف أنواعها من «طبقية العلاقات الاجتماعية» وأنزلت الأرستقراطية من برجها العاجي، بل أخرجت مفهوم الثراء من معناه التقليدي المتوارث وأصبح إنجاز تطبيق واحد يعود على صاحبه بثروة كان السابقون يجمعونها عبر أجيال كاملة، كما أزالت طبقية التعليم بالكم الذي يصعب تصوره من المعلومات المتاحة مجانا وسبل التعلم المتطورة وغير التقليدية، ما جعل الكاتب يقول «لست متشائما في المستقبل الثقافي للجيل الجديد، لأن الثقافة اليوم تشهد ازدهارا في القراءة والكتابة والتداول الواسع لما ينشر ويكتب بوسائل وأساليب وكيفيات بديلة».
يضيء الرفاعي في كتابه على موضوع عجز نظام التربية والتعليم الموروث عن مجاراة جيل يستقي معارفه من العالم الرقمي قبل الأسرة والمدرسة «ففي أغلب البلاد العربية ينتمي العقل الذي يدير العملية التربوية والتعليمية إلى عصر لم تظهر فيه وسائل التواصل ولا الذكاء الاصطناعي»، ويعطي أمثلة عن مديري مؤسسات تربوية يعانون من أمية ثقافية رقمية ولا يمتلكون مهارات التعامل مع وسائل التواصل، بل بعضهم لا يمتلك بريدا إلكترونيا في عصر أصبحت ثقافته ثقافة رقمية، حيث منصات التواصل وتطبيقاتها تجاوزت دور الكتاب التقليدي في التربية والتعليم والتكوين المعرفي، زيادة على أن العملية التربوية بشكلها الحالي تقوم على المنع، في حين يرى الرفاعي أن خيارها الأفضل هو الحصانة. والأمر نفسه ينطبق على التدين عند الجيل الجديد، فالجيل الجديد لا يتجاوب مع «دين علم الكلام القديم» الذي اتسعت فيه مساحة الحظر على حساب الإباحة، وشاع فيه التشدد المحرم للفنون السمعية البصرية، فهو جيل كما يلخص الرفاعي نظرته إلى الدين «ليس ضد الله هو ضد الصورة الكئيبة التي رسمتها السلفية المتشددة»، لذلك انجذب إلى الصورة المضيئة لله في دين العرفاء، وهذا ما يفسر شيوع مقولات كبار الصوفية مثل، جلال الدين الرومي وابن عربي في منشورات الشباب ورواج الروايات التي تضيء حياة هؤلاء العرفانيين، مثل روايتيْ «قواعد العشق الأربعون» و»موت صغير».
لم أعرض لفصلين كبيرين استأثرا بمساحة لا بأس بها من الكتاب أحدهما عن الحب بعنوان «الاستثمار في الحب صعب»، وثانيهما عن الصمت بعنوان «الصمت الحكيم» لأني لم أجد علاقة مباشرة بينهما وبين موضوع الكتاب كما بينه عنوانه، وإن كان الفصلان ممتعين، خاصة بما ينثره عبد الجبار الرفاعي في ثناياهما من مقولات تصلح للاقتباس مثل «الشيخوخة منفى موحش، ولا قليل في الحب قليلُ الحب كثير، وكثرة الكلام تفسد التذوق». وكذلك هو الحال مع فصل «لا تراث خارج التاريخ» حيث هو كما ذكر المؤلف إعادة كتابة موسعة لتقديم كتاب «خير القرون: كيف نفهم الخير في التاريخ» لعلي الديري. ومع هذا تكفي الفصول المتعلقة بالجيل الجديد لتعطينا نظرة وافية عن مفكر استطاع تجاوزَ ثقافته الدينية التراثية التي استهلكت عقودا من عمره، وتجاوزَ محيطه بعقليته التقليدية اجتماعيا وفكريا وحتى سياسيا، لينظر بانفتاح كبير وأحيانا شديد التفاؤل إلى جيل يصفه جاهلوه بالتفاهة والرداءة، في حين نظر إليه رجل آخر يدعى علي بن أبي طالب قبل أربعة عشر قرنا نظرة مستقبلية حين قال «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».
شاعرة وإعلامية من البحرين
انطلاق فعاليات التمرين المشترك جبل 6 مع القوات الفرنسية
اعتقال ضابط بالشاباك لتسريب معلومات أمنية حساسة
حسام حبيب ينفي ارتباطه بفتاة من الأردن ويهدد بالقضاء
دالبدا عياش ترد بصراحة على أسئلة خاصة بحياتها الزوجية
زيادة إقبال الأردنيين على شراء الذهب بنسبة 65%
خصم 10% الأربعاء في أسواق المؤسسة المدنية
الكهرباء الوطنية: المرحلة الثانية للربط الأردني العراقي تكتمل قريباً
الإعلام الإيراني ينفي مزاعم فيديو قرب السفارة بواشنطن
أزمة نقص الأدوية في قطاع غزة تعيق عمل الطواقم الطبية
اليونيسف: انتهاكات حقوق الطفل بالسودان ترتفع 1000%
تجارة عمان تدعو لرفع العلم على مؤسسات القطاع التجاري
مئات المستوطنين المتطرفين يقتحمون باحات الأقصى
حماس تدرس مقترحًا إسرائيليًا لوقف إطلاق النار مقابل تبادل رهائن وسجناء
كم بلغ سعر الذهب في السوق المحلي الثلاثاء
كنعان: العلم الأردني عنوان التضحيات والنهج المدافع عن الوطن والأمة
مخالفة بــ ٥٠ دينارا في هذا المكان
الأردن .. رفع العلم بشكل موحَّد في جميع محافظات المملكة
الأردن .. رحلات سياحية عبر القطار إلى مدينة درعا السورية
استدعاء طالبة جامعية شتمت الأجهزة الأمنية .. تفاصيل
سبب وفاة الممثلة الأردنية رناد ثلجي يهز القلوب
تنويه هام من الإفتاء للأردنيين ..
الكترونيا فقط .. الأحوال المدنية تُلغي الحضور الشخصي
قانون الأبنية والأراضي .. تعرّف على نسب الضريبة .. وأبو حسان:لن يثقل كاهل المواطن
إيران تلوح بطرد مفتشي الوكالة النووية ونقل اليورانيوم المخصب
الأردن .. شقة بمليون ونصف المليون في عمّان
سوريا .. قوات أحمد العودة تهاجم عناصر من الدفاع السورية .. فيديو
الحكومة تحسم الجدل حول قانون ضريبة الأبنية والأراضي