ضريبة الأبنية تفتح جرح الثقة بين الشعب والحكومة

mainThumb
رسم بواسطة الذكاء الاصطناعي

14-04-2025 01:00 AM

شهد الأردن جدلًا واسعًا حول مسودة مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي لسنة 2025، الذي تهدف الحكومة من خلاله إلى تحديث النظام الضريبي العقاري، وسط مخاوف شعبية من ارتفاع الأعباء المالية على المواطنين.
فقد أعلنت الحكومة عن نيتها إحلال قانون ضريبي جديد محل القانون القديم (القائم على القيمة الإيجارية)، بهدف تحقيق "العدالة الضريبية" ومواكبة التطورات العمرانية والاقتصادية. إلا أن الإعلان تزامن مع تصاعد غضب شعبي، عبرت عنه منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حيث اعتبر كثيرون أن المشروع سيزيد من أعباء المعيشة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، خاصة مع انتشار مخاوف من أن تشمل الضريبة الجديدة فئات واسعة من العقارات السكنية والتجارية.
وردّت الحكومة على الانتقادات عبر توضيح "الأسباب الموجبة" للمشروع، مركزة على النقاط التالية:
العدالة الضريبية:
التحول من الاعتماد على "القيمة الإيجارية" (التي تعتمد على إيرادات الإيجار) إلى معايير شاملة تشمل الموقع، نوع الاستخدام، والقيمة الإدارية، مما يُفترض أن يُنهي التباين في تقدير قيمة العقارات المتماثلة في المناطق نفسها.
معالجة تشوهات القانون القديم، مثل اعتماد بعض العقود الإيجارية غير التقليدية (مثل نسبة من المبيعات)، والتي تجعل القيمة الإيجارية غير عادلة كأساس للضريبة.
الحوافز والإعفاءات:
منح إعفاءات بنسبة 60% للعقارات الفارغة (بدلًا من 50%)، وزيادة الخصم التشجيعي إلى 10%، مع توجيه الحوافز نحو المشاريع الخضراء، ومواقف السيارات، والمحافظة على التراث.
إعفاء الأراضي الزراعية من الضريبة، وتقييدها على المساحات المسموح بالبناء فيها فقط، وفقًا لتصريحات وزير الإدارة المحلية وليد المصري.
الشفافية والأتمتة:
ربط الأنظمة الإلكترونية بين البلديات ودائرة الأراضي لتحقيق دقة في التقدير، وإلغاء الإشعارات الورقية لصالح الإلكترونية، خاصة للمغتربين وأصحاب الأراضي غير المبنية.
السماح بالاعتراض على التقدير الضريبي دون قيود النسبة القديمة (20%)، مما يعزز حق المكلفين في الطعن.
معالجة الإشكاليات التاريخية:
معاملة الأبنية التجارية المؤجرة قبل 2001 بناءً على القيمة الإيجارية الفعلية، وليس قيمة البناء، لتجنب إرهاق المالكين القدامى.
نقاط الخلاف وردود الفعل الغاضبة
رغم المبررات الحكومية، فإن ردود الفعل الغاضبة تكشف عن هوة بين رؤية الحكومة وتوقعات المواطنين، لأسباب منها:
الخشية من ارتفاع الضرائب:
يشكك كثيرون في أن النظام الجديد، رغم حديثه عن "العدالة"، سيرفع الضرائب عمليًا، خاصة مع إدراج معايير جديدة مثل "القيمة الإدارية" التي قد لا تكون واضحة للمواطن العادي.
الاقتصاد الهش:
يأتي الجدل في وقت يعاني فيه الأردن من بطالة مرتفعة وتضخم، مما يزيد حساسية أي إجراء ضريبي جديد، حتى لو كان مبررًا تقنيًا.
عدم الثقة في الإجراءات الحكومية:
تاريخ بعض القوانين الضريبية السابقة (مثل قانون الضريبة العامة) أثار شكوكًا حول قدرة الحكومة على تحقيق الشفافية الموعودة، أو توزيع العبء الضريبي بعدالة.
تعقيد المعايير الجديدة:
الانتقال من معيار وحيد (القيمة الإيجارية) إلى معايير متعددة (الموقع، التنظيم، الاستخدام) قد يفتح الباب لاجتهادات جديدة تثير الاستياء، خاصة إذا لم تُرفق بحملات توعية مكثفة.
الحكومة بين الإصلاح والضغوط المالية:
يبدو أن الحكومة تحاول موازنة بين إصلاح نظام ضريبي قديم متشوه، وبين الحاجة إلى زيادة الإيرادات في موازنة تعاني من عجز مزمن. لكن تنفيذ ذلك دون تفعيل سياسات حماية اجتماعية قد يزيد الاحتقان.
تركيز الحكومة على الجوانب التقنية (مثل الأتمتة) في ردها لم يعالج بشكل كافٍ مخاوف المواطنين المباشرة من ارتفاع الفاتورة الضريبية، مما يدل على فجوة في التواصل تحتاج إلى سدّ عبر حوار عام مُوسع.
حتى لو كان القانون الجديد أكثر عدالة، فإن نجاحه مرهون بمدى شفافية التطبيق، وخاصة في ظل تاريخ من الشكوك حول فساد بعض اللجان الضريبية القديمة. تصريح الوزير بأن القانون "سيحد من التدخل البشري" يلامس هذا الجرح مباشرة.
الجدل حول قانون الضريبة العقارية يعكس إشكالية أعمق في السياسات الاقتصادية الأردنية: كيف يمكن تحقيق الإصلاح الضريبي دون زيادة الإجهاد على الطبقات المتوسطة والضعيفة؟ الإجابة تتطلب ليس فقط قوانين "تقنية" متطورة، ولكن أيضًا إشراكًا مجتمعيًا حقيقيًا، وضمانات تُريح المواطن بأن الإصلاح لن يكون على حسابه. الحكومة، من جهتها، قدمت رؤية إصلاحية تستحق النقاش، لكنها مطالبة اليوم بتوضيح كيفية تجنب العثرات التي وقعت فيها قوانين سابقة، وإثبات أن العدالة الضريبية ليست شعارًا، بل واقعًا ملموسًا.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد