ثورة صامتة في جامعة آل البيت

mainThumb

13-04-2025 09:24 PM

هذا المقال كُتب ونُشر خلافًا لرغبة رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور أسامة نصير، الذي يفضل أن يعمل بصمت، بعيدًا عن الأضواء والضجيج، مؤمنًا بأن الإنجاز الصادق لا يحتاج إلى ميكروفونات، بل يكفي أن يلمسه الناس في الواقع. ولكن ما رأيته بعيني في رحاب جامعة آل البيت فرض عليّ الكتابة، لا من باب المجاملة، بل من باب الإنصاف وشهادة الحق.

في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك، أتيحت لي فرصة نادرة لزيارة جامعة آل البيت، والالتقاء برئيسها الأستاذ الدكتور أسامة نصير. لم تكن الزيارة عابرة، بل كانت محطة للتأمل والتفكر في ما يمكن أن تصنعه الإدارة الرشيدة حين تُؤمن بالفعل لا بالقول، وحين تتحرك على الأرض لا من خلف المكاتب.

رافقني الدكتور نصير شخصيًا في سيارته الخاصة، في جولة ميدانية داخل الحرم الجامعي، بدأناها من البوابة الرئيسية ومجمع الباصات. هذا المجمع، الذي كان إلى وقت قريب لا يختلف عن ممرٍّ مهجور، يفتقر لأبسط مقومات البنية التحتية والخدمات، تحوّل إلى نموذج حضاري من التنظيم والجمال، مجهّز بالمرافق اللازمة والراحة المطلوبة للطلبة والزائرين. لم أكن أتوقع هذا التغيير المذهل، فقد بدا الموقع وكأنه حُلِم به، ثم تحقق بحرفية عالية ووعي حقيقي بمسؤولية المكان.

ثم مررنا بعدد من المباني التي طالها التحديث والترميم. ولا أُبالغ حين أقول إن بعضها كان أقرب في هيئته إلى بقايا مبانٍ من نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تراكم عليه الإهمال والتقادم. ولكن ما شاهدته اليوم كان مختلفًا تمامًا. قاعات دراسية حديثة، مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية، من شاشات ذكية وأثاث مريح، إلى بيئة دراسية صحية ونظيفة ودورات مياه لائقة. حتى الأثاث، كما علمت لاحقًا، هو من إنتاج الجامعة ذاتها، أو تم تنفيذه عبر عطاءات خاضعة لأقصى درجات الشفافية وبأسعار تقل عن أسعار السوق بكثير.

وانتقلنا بعد ذلك إلى الساحات المفتوحة التي استعادت جمالها وهويتها. حيث الأزهار تملأ المكان، والأشجار تعانق السماء، و"الأرض الحمراء" – رمز البيئة الأردنية – تكسو المساحات بدفءٍ وطنيٍ أصيل. وقد علمت أن هذه التحسينات لم تكن ثمرة موازنات كبيرة، بل ثمرة تبرعات ومبادرات نبيلة، منها تبرع مشكور من بلدية الوسطية التابعة اداريا لمحافظة إربد بأشجار معمّرة، وتبرعات أخرى من مؤسسات وشخصيات محلية آمنت برسالة الجامعة، ووضعت يدها بيد إدارتها لإعادة الحياة لهذا الصرح الوطني.

ما رأيته لا يمكن وصفه إلا بأنه ثورة صامتة، ثورة على الإهمال، وعلى الرتابة، وعلى ثقافة التبرير والعجز. ثورة تؤمن أن الجامعة ليست فقط مكانًا للتدريس، بل فضاء حضاري يجب أن يرتقي بجماله ونظافته وجودته إلى مستوى الرسالة العلمية التي يحملها. ومن يرى هذه التحولات بأمّ عينه، لا يمكنه إلا أن يشعر بالفخر والأمل.

أما في الجانب الإداري والأكاديمي والمالي، فقد أشار الدكتور نصير إلى خطوات جريئة تم اتخاذها لترشيد النفقات، وسداد جزء من المديونية المتراكمة، وتنظيم الأداء الإداري، وإعادة ترتيب الأولويات الأكاديمية بما يخدم الطالب ويعزز من جودة التعليم. لكن هذه الملفات تحتاج إلى مقالة أخرى، لأنها تتطلب تسليط الضوء على الأرقام، والخطط، والإصلاحات التي تسير بهدوء وثبات، بعيدًا عن الضجيج.

إن ما شهدته في هذه الزيارة هو تأكيد حي على أن القيادة الجامعية حين تُؤمن بالتغيير، وتملك الإرادة، وتعمل بصمت وإخلاص، فإن المستحيل يصبح ممكنًا. لقد رأيت كيف يمكن لرئيس جامعة أن يُنجز ما يعجز عنه آخرون، لا بالإنفاق الفاحش، ولا بالدعاية المفرطة، بل بالاقتراب من الواقع، والنزول إلى الميدان، والاستماع إلى هموم العاملين والطلبة، ثم التحرك الفعلي لتحسين الواقع.

كل الاحترام والتقدير للدكتور أسامة نصير، الذي أعاد تعريف مفهوم الإدارة الجامعية؛ فهو لا يكتفي بإصدار التعليمات، بل يقود بنفسه، يراقب بعينه، ويتابع بتفانٍ، ويُنجز بصمت. لقد قدّم نموذجًا يحتذى، يُثبت أن الإنجاز لا يحتاج إلى صخب، بل إلى نية صادقة، وضمير حي، وفريق عمل مؤمن بالرسالة.

في زمنٍ يتعالى فيه الصراخ وتختلط فيه الشعارات بالإنجازات الوهمية، تظل الإنجازات الصامتة التي تُترجم إلى واقع ملموس، هي الأكثر صدقًا وبقاءً. وما يجري في جامعة آل البيت، على صعيد البنية التحتية خاصة، هو قصة نجاح تستحق أن تُروى، وتُدعم، وتُحتذى في باقي مؤسسات التعليم العالي في وطننا الغالي.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

الأمن العام يوزع الأعلام احتفالاً بيوم العلم الأردني وينفذ فعاليات مجتمعية

الزرقاء: عطاء لتأهيل شوارع ام رمانة وبيرين والعالوك

تمرين أمني للاحتلال بمعبر وادي الأردن

إعادة طرح عطاء لربط الصوامع والمطاحن مع الصناعة والتجارة للمرة الثانية

التربية تعلن موعد امتحان الثانوية العامة لطلبة الصف الحادي عشر

اطلاق خط الباص السريع بين عمّان ومأدبا .. وهذه تفاصيل الرحلات

اشهار كتاب السرطان من المسافة صفر للدكتور عاصم منصور

احتياطي العملات الأجنبية يعزز الثقة بالاقتصاد الأردني

غوتيريش يعرب عن قلقه ازاء قصف الاحتلال لمستشفى الاهلي العربي بغزة

الاحتلال يعلن تصفية قيادي بحماس شارك بهجمات أكتوبر

تفعيل منصة تسجيل الصف الأول منتصف حزيران المقبل

الاحتلال يواصل تشديد الحصار على أريحا ويغلق مداخلها

البيت الأبيض يجمّد مساعدات هارفارد بسبب معاداة السامية

الاحتلال ينسف قرية شمالي قطاع غزة ويسويها بالأرض بالكامل

الحالة الجوية ودرجات الحرارة المتوقعة الثلاثاء