قسنطينة .. مدينة صنعت التاريخ

mainThumb
جسر قسنطينة المعلّق أيقونة تتحدى الجغرافيا والتاريخ

10-04-2025 11:15 PM

السوسنة - في أعماق الشرق الجزائري، وعلى صخرة شامخة تعانق السماء، تقف مدينة قسنطينة، واحدة من أعرق المدن العربية والأمازيغية، بتضاريسها الساحرة وتاريخها الموغل في القدم. تُعرف قسنطينة باسم "مدينة الجسور المعلّقة" و"مدينة الصخر العتيق"، وهي لا تشبه أي مدينة أخرى، سواء في موقعها أو معمارها أو حتى في عبقها الحضاري.
تتربع قسنطينة على هضبة صخرية بارتفاع 650 مترًا عن سطح البحر، تتخذ شكل الماسة وتشقها المنحدرات العميقة من كل الجهات، فيما يشقها وادي الرمال في الأسفل، ليقسم المدينة إلى نصفين. رُبطت هذه الأجزاء ببعضها بواسطة ثمانية جسور معلقة، أصبحت من رموزها المعمارية الشهيرة.
الموقع الجغرافي للمدينة يجعلها بوابة استراتيجية للشرق الجزائري؛ فهي تبعد 245 كيلومترًا عن الحدود التونسية، و437 كيلومترًا عن العاصمة الجزائر، وتبلغ مساحتها حوالي 2187 كلم²، مما يجعلها ثالث أكبر مدينة في الجزائر بعد العاصمة ومدينة وهران.
يرجّح المؤرخون أن قسنطينة تأسست على يد الفينيقيين، قبل أن تصبح عاصمة الملك النوميدي ماسينيسا في القرن الثالث قبل الميلاد. وعبر التاريخ، تعاقبت على المدينة حضارات كثيرة: النوميدية، الفينيقية، الرومانية، البيزنطية، والإسلامية، مما جعلها غنية بالموروثات الثقافية والمعمارية.
دُمّرت المدينة عام 311م بعد تمرّدها على الحكم البيزنطي، لكن الإمبراطور قسطنطين أعاد بناءها عام 313م وأطلق عليها اسمه، لتتحوّل لاحقًا إلى الاسم العربي "قسنطينة".
تشير الأدلة الأثرية إلى أن الإنسان استوطن المنطقة منذ أكثر من 45,000 سنة. فقد عُثر في مناطق مثل تيديس وعين بومرزوق وبو نوارة على كهوف، نقوش صخرية، أدوات حجرية، وعظام بشرية، ما يعكس عمق التاريخ البشري في المنطقة.
تضم المدينة اليوم أكثر من 1.29 مليون نسمة، يتوزعون بين العرب والأمازيغ، ويُعرف أهلها بحسن الضيافة ودفء العلاقات الاجتماعية. يمتاز المجتمع القسنطيني بتنوع ثقافي يعكس تعاقب الحضارات وتمازج العادات والتقاليد الأصيلة.
لا تُعرف قسنطينة فقط بجسورها وموقعها الجغرافي، بل أيضًا بـمكانتها الثقافية والعلمية؛ إذ تعتبر منارات العلم في الجزائر، ويُطلق عليها أيضًا "عاصمة الثقافة". من قسنطينة خرج كبار الأدباء والمفكرين، كما كانت ولا تزال من أهم مراكز الإشعاع الثقافي في شمال إفريقيا.
قسنطينة ليست مجرد مدينة، بل حكاية زمنية متواصلة، تحكيها الصخور والجسور والمغارات، ويصوغها أهلها بحبٍّ واعتزاز. من يتجول فيها، يعيش بين أروقة التاريخ، ويمشي فوق الجسور المعلّقة على صفحة الزمان.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

بأمر من ترامب .. السفير الأمريكي يؤدي صلاة يهودية أمام حائط البراق .. فيديو

بدء انتخابات نقابة الأطباء الأردنيين

التحالف الدولي ينسحب من دير الزور شرق سوريا باتجاه الشدادي

كيف سأعانقك بلا ذراعين .. صورة طفل فلسطيني بغزة تفوز بجائزة عالمية

بسبب مقال .. هاري وميغان يقطعان الدعم عن تحالف النساء المسلمات

تأجيل انتخابات نقابة الصحفيين للجمعة القادمة .. صور

توقيف فلسطيني بلبنان بحوزته أسلحة .. هل له علاقة بخلية إخوان الأردن؟

أسعار الذهب تقفز 20 دولاراً للأونصة

بايدن يعرض 300 ألف دولار مقابل خطاب واحد في الفعاليات

مشاهد مروّعة .. جثث أطفال متفحّمة بقصف إسرائيلي في غزة .. فيديو

إسرائيل تتصيد الفراغ .. أمريكا تسحب مئات الجنود وتغلق 3 من قواعدها بسوريا

تعرّف على درجات الحرارة في الأردن الجمعة

إسرائيل ترفض هبوط مروحيتين أردنيتين لنقل محمود عباس

مؤتمر برلماني لاتخاذ موقف قوي ضد حرب الإبادة الجماعية بغزة

2ر1 مليار دولار .. الأردن يتوصل لاتفاق مع صندوق النقد بالمراجعة الثالثة