معركة الكرامة

mainThumb

24-03-2025 04:16 AM

معركة الكرامة، ملحمة البطولة والنصر الذي لا يمحى

على أرض الأردن الطاهرة، حيث تلاقت جبال السلط وعجلون، وتضامنت قلاع الوطن شامخة في وجه العدو، انبثقت ملحمة خالدة سطرتها دماء الأردنيين الطاهرة. معركة الكرامة، يوم تحولت فيه الأرض إلى شعلة من النضال، وارتفع نداء الحق ليكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر. كانت تلك اللحظة التي تردد فيها صدى "الله أكبر" من الأغوار إلى أعالي الجبال، وتجلت فيها أسمى معاني التضحية والفداء .

في صباح الحادي والعشرين من آذار عام 1968، كانت الشمس تلقي خيوطها الذهبية على سهول الأغوار، كأنها تراقب ما سيجري في ذلك اليوم المهيب. الهواء كان محملا برائحة التراب المبلل بعرق الفلاحين، وأصوات الطيور تختلط بنداءات الجنود وهم يتهيأون لصنع المجد. لم يكن أحد يعلم أن هذا الوادي سيصبح شاهدا على واحدة من أعظم معارك الشرف والتضحية، حيث سيتحول إلى ميدان نار وصمود، وسيتعانق فيه الدم الطاهر مع تراب الوطن في ملحمة أبت أن تمحى من الذاكرة.

الأردن يتحدى، والسهل يشتعل تحت أقدام الغزاة

ظن العدو أنه في نزهة، وحسب أن سهول الأغوار لن تقاوم زحفه، وأن جبال السلط ستكون مجرد شواهد على نصره الوهمي. جاء معتدا بسلاحه وتفوقه العددي، واثقا من قوته، لكنه لم يدرك أنه يتقدم إلى قلب أسد متأهب. لم يكن يعلم أن الأرض التي خطط للسيطرة عليها قد احتضنت رجالا آمنوا بأن الموت دون الوطن شرف لا يضاهى .
مع أولى طلقات الغدر الصادرة من فوهات المدافع الإسرائيلية، انتفضت الأرض عن رجالها. خرج الفلاح من وراء محراثه قابضا على سلاحه، وكأنه امتداد لروحه. نساء الأغوار حملن العصي والسكاكين، أيديهن كانت أضعف من حديد الدبابات لكنها أقوى بإرادة لا تلين. المعلم ترك قلمه وطباشيره وسار نحو المعركة كتلميذ يتعلم أسمى دروس التضحية. كان الوطن كله في الخندق ذاته، كتفا بكتف، شيخا وطفلا، امرأة ورجلا، جيشا وشعبا في ملحمة واحدة عنوانها الكرامة .

مواجهة لا تنسى، الجيش الأردني يصنع التاريخ

الساعة تدق، والمدافع تصدح، بدأ الغزاة زحفهم. دباباتهم تتقدم على الجسر تحلم بالعبور، وفجأة تنفجر الأرض تحتها. قذائف الجيش الأردني تنهال كالمطر، وأصوات صراخ الجنود الإسرائيليين تتعالى. وقعوا في الفخ، ولم تكن الكرامة ساحة فارغة بل كانت موقدا للغضب والنار .
مقاتلو الجيش الأردني، بأسلحتهم التي ربما لم تكن توازي ترسانة العدو، لكن بإيمانهم كانوا أكبر من أي تفوق عسكري. القائد البطل مشهور حديثة الجازي كان هناك بين رجاله، يخطط، يقود، ويحارب. لم يكن قائدا خلف الخطوط بل كان أسدا في مقدمة المعركة. وإلى جانبه رجال لم يعرفوا الخوف. الشهيد خضر شكري يعقوب كان أحدهم، قاتل حتى آخر قطرة دم، وسطر موقفا خلده التاريخ .

العدو ينهار، والشاي المزعوم يتحول إلى كابوس

كانت الخطة الإسرائيلية أن يجلس الجنود على مرتفعات السلط يحتسون الشاي بعد نصر سهل، لكنهم بدلا من ذلك وجدوا أنفسهم يجرون جثث قتلاهم تحت وابل من النيران الأردنية. بدلا من الشاي تجرعوا الهزيمة والذل، ولم يكن لديهم سوى خيار واحد، الفرار.
عندما حل المساء، كانت الأرض قد امتلأت بأشلاء الغزاة. تراجع جيش الاحتلال يجر أذيال الخيبة، تاركا خلفه أسطورته المهزومة. لم يكن الجيش الذي لا يقهر سوى وهم تحطم على صخرة الكرامة.

نصر خالد، ذاكرة لا تموت

لم تكن معركة الكرامة مجرد يوم عسكري، بل كانت شهادة على أن الأرض لا تهان طالما فيها من يحميها. كانت درسا للعالم أن الشعوب التي تملك العزيمة لا تستسلم، وأن البطولة لا تقاس بعدد الدبابات، بل بعدد القلوب التي ترفض الخضوع
اليوم، وبعد عقود من ذلك النصر، لا تزال الكرامة تنبض في وجدان كل أردني. لا تزال الأغوار تروي قصة الرجال الذين صنعوا المجد، ولا تزال جبال السلط شاهدة على ذلك اليوم الذي هزم فيه الباطل أمام الحق. ذلك اليوم الذي لن يمحى من ذاكرة الوطن، يوم الكرامة، يوم النصر الأبدي.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد