حوافز سعودية: تأثيرات وفرص أردنية

mainThumb

22-03-2025 06:22 PM

يشهد الاقتصاد السعودي نمواً وصل إلى 4.5% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2024 مدعومًا بمكاسب في جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وحقق سوق العمل في السعودية تطوراً كبيراً تحولات جوهرية مدفوعة برؤية 2030، حيث سعت الحكومة إلى تعزيز توظيف المواطنين، والى تحفيز الاستثمارات الأجنبية، وتلعب الحوافز الوظيفية مثل التأشيرات الذهبية وبرامج جذب الكفاءات دورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل ديناميكيات العمل والعقار في المملكة، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض.

وتبنت المملكة سياسات توطين "سعودة" الوظائف، بهدف زيادة نسبة مشاركة السعوديين في القطاع الخاص، وأمتد التوطين إلى قطاعات المحاسبة وتقنية المعلومات والاتصالات، حيث تتطلب بعض المسميات الوظيفية توفير عمالة محلية بنسبة تتراوح بين 25٪ و30٪، وفي ظل ارتفاع معدلات التوظيف، حيث ارتفع عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص خلال 4 سنوات من 1.7 مليون إلى 2.4 مليون بنهاية عام 2024، مما أضاف 700 ألف وظيفة جديدة للمواطنين، وانخفاض معدل البطالة إلى 3.7% بنهاية الربع الرابع 2024، مما ازداد الطلب على السكن، وانعكس بشكل مباشر على السوق العقاري.

ووفقا لبيانات حكومية تستند إلى منهجية جديدة لاحتساب الاستثمار الأجنبي المباشر، ساهمت السياسات الحكومية في السعودية التي تعد اكبر اقتصاد في العالم العربي في جذب تدفقات استثمار أجنبي مباشر بقيمة 96 مليار ريال (25.6 مليار دولار) في عام 2023 متجاوزة الأهداف الرسمية المستهدفة بواقع 16% والبالغة 83 مليار ريال في الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، وبالرغم من زيادة التباطوء الاقتصادي في العالم لعام 2024، الا أنه بلغ تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر الداخل الى السعودية في الأرباع الثلاثة الأولى لعام 2024 حوالي 54 مليار ريال، مما شكل محرك رئيسي في تقليل البطالة بين السعوديين، وزيادة الطلب على الوحدات السكنية الفاخرة والمكاتب الحديثة، وزاد الطلب على العقار في الرياض ودفع بأسعاره الى أعلى.

وقد أشارت البيانات إلى أن الرياض تشهد زيادة ملحوظة في الطلب على الإيجارات ليس فقط بسبب سعودة الوظائف وزيادة الطلب على العقارات، انما نتيجة أيضا استقطاب الشركات الكبرى للمواهب الأجنبية والكفاءات المتخصصة، حيث ساهمت هذه الزيادة الى رفع أسعار الإيجارات بنسب تتراوح بين 10-15% سنويًا في بعض المناطق الحيوية، مما ضغط على القدرة الشرائية للمواطنين.

وقد رافق سعي السعودية إلى جذب الكفاءات العالمية عبر تسهيلات التأشيرات والإقامة، إلى وجود فجوة في الرواتب بين المواطنين والأجانب، خصوصًا في القطاعات المتخصصة مثل التقنية والمالية، وقد أشارت الإحصاءات إلى أن متوسط رواتب الأجانب قد يكون أعلى بنسبة 20-30% مقارنة بنظرائهم السعوديين في بعض المجالات، مما قد يخلق تحديات تتعلق بالتوازن في سوق العمل.

وكما نوهنا سابقا، تعد الزيادة الكبيرة في عدد المقيمين الأجانب أحد العوامل الرئيسية التي رفعت الطلب على العقارات السكنية والتجارية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في الرياض، خاصة في الأحياء الراقية والمناطق القريبة من مراكز الأعمال. في المقابل، يعاني بعض المواطنين من صعوبة الحصول على وحدات سكنية بأسعار معقولة، مما يستدعي تعزيز سياسات الإسكان المستدام.

ولمعالجة هذه التحديات، على الحكومة السعودية أن تتبني سياسات تُعزز التوطين في القطاعات المستهدفة والاستراتيجية لضمان استفادة السعوديين من الفرص المتاحة، وتوفير برامج دعم سكني أخرى مثل مبادة سكني تستهدف الطبقة المتوسطة، كما يمكن للحكومة تقديم حوافز للقطاع الخاص وللمطورين العقاريين لإنشاء مساكن بأسعار معقولة، ووضع سياسات تنظيمية للتحكم في الارتفاع المفاجئ لأسعار الايجارات، بما يحقق العدالة بين المستثمرين والمقيمين، ويساهم في استقرار السوق العقاري وتحقيق التوازن بين العرض والطلب. بالتالي، تلعب سياسات التوظيف وجذب الاستثمارات دورًا حاسمًا في تشكيل سوق العقارات السعودي، مما يتطلب نهجًا متوازنًا لضمان التنمية المستدامة واستقرار الأسعار للمواطنين والمقيمين.

يمكن للأردن أن يستفيد من التجربة السعودية في عدة مجالات، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات، وتحفيز التوظيف، وتنظيم سوق العقارات، فعلى الرغم من اختلاف حجم الاقتصادين، إلا أن هناك أوجه تشابه في التحديات التي يواجهها الأردن، مثل الحاجة إلى خلق فرص عمل مستدامة، وتعزيز استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتنظيم سوق الإسكان لضمان توافر وحدات سكنية ميسورة التكلف، ويمكن للأردن أن يستلهم من السياسات السعودية في تطوير برامج متكاملة لتوطين الوظائف في القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا، والخدمات المالية، والصناعات الإبداعية، من خلال تعزيز التدريب المهني والشراكة مع القطاع الخاص لضمان اندماج العمالة المحلية في سوق العمل بشكل أكبر.

وعلى صعيد الاستثمار، يمكن للأردن العمل على تقديم حوافز أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، مثل تسهيل إجراءات الإقامة والتأشيرات طويلة الأجل للمستثمرين وأصحاب الكفاءات، بما يسهم في تحفيز بيئة الأعمال وزيادة الطلب على العقارات التجارية والسكنية، ومن ناحية أخرى، فإن تجربة السعودية في مواجهة ارتفاع أسعار الإيجارات وتزايد الطلب على العقارات يمكن أن تكون درسًا مهمًا للأردن في تطوير سياسات إسكان أكثر توازناً، مثل تقديم دعم للطبقة المتوسطة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير مشاريع إسكانية بأسعار معقولة، كما يمكن الاستفادة من نهج السعودية في تحسين بيئة الاستثمار العقاري، سواء عبر تقديم حوافز للمطورين العقاريين أو عبر وضع سياسات تنظيمية تحد من التقلبات المفاجئة في الأسعار، مما يحقق استقرارًا أكبر في السوق العقاري الأردني.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأردن الاستفادة من التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية في استقطاب العمالة، حيث أصبح السوق السعودي وجهة رئيسية للعديد من الأردنيين، لا سيما في القطاعات المتخصصة مثل الهندسة، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، هذا الأمر يتطلب من الأردن تطوير استراتيجيات لتعزيز كفاءة القوى العاملة المحلية، ليس فقط لتلبية احتياجات سوقه الداخلي، ولكن أيضًا للاستفادة من الفرص المتاحة في السوق السعودي والأسواق الإقليمية الأخرى، ومن خلال تبني سياسات مرنة ومتوازنة في التوظيف والاستثمار والإسكان، يمكن للأردن تحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة، وتحقيق استفادة أكبر من التحولات الاقتصادية الإقليمية.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد