وزيرة خارجية ألمانيا: أطراف تعرقل المسار السياسي بسوريا

mainThumb
صورة تعبيرية

21-03-2025 12:00 AM

السوسنة- أكدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، أمس الخميس، أن السلطة الانتقالية السورية برئاسة أحمد الشرع تواجه تحديات صعبة، محذرة من محاولات لإفشال المسار السياسي السلمي من جهات داخلية وخارجية. جاء ذلك خلال زيارتها إلى دمشق، حيث أعادت افتتاح السفارة الألمانية هناك.

وخلال الزيارة، التي رافقها فيها نائب رئيس البرلمان الأوروبي آرمين لاشيت، التقت بيربوك بمسؤولين في الإدارة السورية، بينهم الشرع، إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني، لبحث التطورات السياسية والأمنية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.

ضبط النفس

وأكدت بيربوك في تصريحات صحافية بعد وصولها أن التدخلات الأجنبية في سوريا لم تؤدِّ إلا إلى الفوضى، مشددة على أن مستقبل البلاد يجب أن يقرره السوريون أنفسهم دون أي تدخل خارجي.
كما دعت جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وعدم تقويض جهود المصالحة الداخلية، مؤكدة أن المصالحة الوطنية ضرورية الآن لتحويل تطلعات السوريين إلى واقع.
وأشارت إلى أن الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع ستواجه تحديات صعبة، مشددة على ضرورة تحقيق عدالة انتقالية فعالة تضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، كما أشادت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع السوريين الأكراد في شمال شرقي سوريا، معتبرة أنه يثبت إمكانية تحقيق سوريا موحدة.
وعلى هامش زيارتها، أعادت بيربوك رسمياً فتح سفارة بلادها في دمشق.
وقالت بعد إعادة فتح السفارة الألمانية هناك إنها أبلغت الإدارة السورية الجديدة بأن «المهمة تقع على عاتقهم الآن لتحويل الأقوال إلى أفعال، وكذلك تقع على عاتقهم مهمة السيطرة على الجماعات المتطرفة داخل صفوفهم ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم».
ووصف الوضع في سوريا بأنه «متقلب» معتبرة أن البلاد تمرّ «في مرحلة حساسة» في سعيها لتحقيق الاستقرار بعد سنوات من نزاع مدمّر.
وقالت إن العديد من الأطراف داخل البلاد وخارجها تحاول «إفشال هذا المسار السياسي السلمي». وتابعت «كأوروبيين، لن ندعم تصاعدا جديدا للكيانات الإسلامية المتشددة».
ودعت إلى تقاسم السلطة بما يضمن أن تشعر جميع المجموعات، بمن في ذلك الدروز والعلويون والمسيحيون وغيرهم بأنهم «جزء من سوريا جديدة ويشارك فيها الجميع».
واعتبرت أن مشاركة النساء ستكون «مؤشرا أساسيا على ذلك، فالنساء يشكّلن نسبة 50٪ من السكان».
وأضافت «هدفنا المشترك هو ألّا تنزلق سوريا مجددا إلى الحرب الأهلية».
وقالت إن الاستثمارات الخاصة التي تحتاجها سوريا في طريقها للتعافي من تداعيات النزاع «لن تأتي إلا عند ضمان وجود دولة مستقرة وقادرة على العمل ألا يكون هناك عنف وفوضى مرة أخرى، وألا يُجبر الناس على الفرار مرة أخرى».
وأعلن القائم بأعمال السفارة الألمانية شتيفان شنيك أنه «يسعدنا العمل عن كثب مع جميع السوريين من أجل سوريا أفضل وفريق السفارة في دمشق لا يزال صغيراً لذا ستبقى شؤون التأشيرات والقنصليات تُدار من بيروت للفترة المقبلة».
وسفارة برلين ظلت مغلقة منذ عام 2012 لأسباب أمنية مع انطلاق الاحتجاجات في عام 2011.
وأعلنت بيربوك أنه «من المخطط أن يعمل حالياً عدد قليل من الدبلوماسيين الألمان في موقع السفارة للمساهمة في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء البلد الذي دمر بشدة».
وأوضحت «أنه سيجري العمل أيضا من مواقع أخرى (في دمشق) في ضوء عدم اكتمال الإجراءات الأمنية بعد» موضحة أنه «تم تعيين شتيفان شنيك قائما بأعمال السفارة لحين تعيين سفير لاحقا» مع الإشارة إلى أن السفارة الألمانية في دمشق كانت توظف من قبل ما بين 25 إلى 30 دبلوماسيا وحوالي 20 موظفا محليا.
ونقل التلفزيون الألماني عن مصدر في الخارجية الألمانية قوله إن «فريقا صغيرا من الدبلوماسيين سيتولى إدارة البعثة في دمشق، على أن تبقى الشؤون القنصلية وطلبات التأشيرات في عهدة السفارة في بيروت، نظراً إلى عدم استقرار الوضع الأمني بشكل كامل منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي».

استقرار سوريا

وقال المصدر: «عقب الإطاحة بالديكتاتور الأسد، تعهدت ألمانيا دعم الشعب السوري وهو يمضي نحو مستقبل أكثر استقرار» مضيفا «لألمانيا مصلحة كبيرة في أن تكون سوريا مستقرة، وعلى الأرض يمكننا أن نساهم بشكل أفضل بالمهمة الصحة لتحقيق الاستقرار».

تحدثت عن تحديات صعبة… وأعادت افتتاح سفارة بلادها… وزارت حي جوبر شبه المدمر

وأوضح أنه من خلال الحضور في سوريا «يمكننا بناء شبكة (علاقات) دبلوماسية وبالتالي، من ضمن أمور أخرى، الدفع نحو عملية انتقال سياسي أكثر شمولاً تأخذ في الاعتبار مصالح كل المجموعات السكانية» مشدداً على أنه «بوجود دبلوماسيينا على الأرض، يمكننا أن نعاود الانخراط مجددا في العمل المهم مع المجتمع المدني، ويمكننا أن نتعامل بشكل مباشر وفوري مع أي تطورات سلبية جدية».
كما استغلت بيربوك زيارتها الثانية إلى سوريا خلال شهرين ونصف الشهر، للتجول في دمشق وزيارة حي جوبر شبه المدمر بشكل كامل، وفيه كنيس إلياهو هانابي الأقدم في العالم ويعتبر من أجمل كنس اليهود وأكثرها بذخاً وفخامة، ويعود تاريخ بنائه إلى ما قبل 3043 عاماً.

استراتيجية الانفتاح

وحول أهمية هذه الزيارة وتحسن التدريجي للعلاقات بين الحكومة السورية الجديدة وألمانيا، اعتبر مدير مركز «عمران للدراسات الاستراتيجية» عمار قحف لـ «القدس العربي» أن هذه الزيارة تأتي في سياق استراتيجية ألمانيا بالانفتاح على سوريا.
وأوضح أن ألمانيا تاريخيا من أكثر الدول التي تهتم بسوريا وتنافس فرنسا في ذلك، معتبرا «اهتمام ألمانيا بسوريا يعود إلى اعتبارها ساحة استراتيجية بالنسبة لهم، فهي كانت قد دعمت قبل الثورة السورية، الكثير من المشاريع المحلية في سوريا».
وتابع: «تتلاقى المصلحة السورية خاصة مع انقطاع الدعم الأمريكي، فسوريا مجتمعا ودولة في حاجة للدعم والوقوف الألماني، سيما أن لدى ألمانيا أكبر الجاليات السورية، حيث حل قسم كبير من اللاجئين خلال العشر سنوات الأخيرة في ألمانيا، كما أن للاتحاد الألماني فضلا كبيرا في قطاعات كثيرة في سوريا كقطاع الكهرباء وقطاع الطب والعلاج والتعليم وهم يقومون على دعم هذه القطاعات ومستمرون بسياستهم في الانفتاح التدريجي على سوريا، ولديهم سياسة واضحة مكتوبة وملحوظة من خلال العديد من اللقاءات التي جرت خلال الشهرين الأخيرين».
واعتبر أن هذه الزيارة تأتي في سياق «الخط الطويل من تطوير العلاقات التدريجي، وأيضا الاستثمار في المجتمع المدني وقطاع الصحة والمستوصفات حيث يشهد برنامج توأمة بين المستوصفات الطبية في سوريا وألمانيا، لا جديد خارج السياق السياسي لكنه ضمن سياق الانفتاح التدريجي والاستثمار مع المجتمع السوري بشكل أساسي».
كذلك وصف الباحث السياسي عباس شريفة الزيارة بأنها «مهمة جدا» خصوصا أنها ترافقت مع افتتاح السفارة الألمانية، وهي أول سفارة أوروبية تفتح في دمشق.
وحول دلالات هذه الخطوة، قال شريفة لـ «القدس العربي»: لهذا الحدث دلالة واضحة، فهي اعتراف سياسي بالحكومة السورية والإدارة الجديدة، وتعبر عن قبول ألماني وأوروبي بالخطوات التي قامت بها الحكومة السورية خلال الفترة الماضية، خصوصا أن الزيارة الأولى تخللتها رسائل تحذيرية من قبل الوزيرة من أن تكون الحكومة هياكل إسلامية أو إقصائية.
وإزاء الخطوات التي أكسبت الاتحاد الأوروبي وألمانيا الثقة بالإدارة الجديدة، قال المتحدث بأن مخرجات الحوار الوطني السوري والإعلان الدستوري والسعي لتشكيل حكومة تمثيل شاملة تضم كل المكونات وأيضا تأسيس لجنة تحقيق بالأحداث والانتهاكات في الساحل السوري واتفاق توحيد مع قوات سوريا الديمقراطية وإدخال «قسد» في الدولة السورية، كل هذه الخطوات أكسبت الاتحاد الأوروبي وألمانيا بشكل أساسي، الثقة بالحكومة السورية ودفعتها للتفاعل أكثر خصوصا بعد مؤتمر بروكسل برعاية أوروبية لتقديم مساعدات إنسانية إلى سوريا.
ورأى أن افتتاح السفارة هو من أجل زيادة زخم الدور الألماني في المساعدة خصوصا أن الخطوات المقبلة ستكون خطوات التعافي المبكر من أجل إصلاح البنية التحتية وخطوات مرتبطة أيضا بقضية إعادة الأعمار وإعادة اللاجئين، لأن ألمانيا معنية بشكل أساسي.
وأضاف: أهمية الزيارة وما رافقها من افتتاح السفارة يشير إلى أن ألمانيا هي العربة التي تقود الاتحاد الأوروبي، وبالتالي هذه الخطوة سيتبعها الكثير من الدول الأوروبية بفتح سفاراتها أيضا في دمشق خلال الأيام المقبلة.
ويوم الإثنين الماضي، تعهدت ألمانيا بتقديم مساعدة جديدة لسوريا بقيمة 300 مليون يورو، وذلك خلال مؤتمر المانحين في بروكسل، الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي لحشد التمويل لدمشق.

علاقات دبلوماسية

وإزاء إقامة علاقات دبلوماسية بين دمشق وألمانيا، كأول دولة في الاتحاد الأوربي، قرأ الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد الهواس، لـ «القدس العربي» الحدث من ناحيتين، الأولى؛ أن إقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق من قبل ألمانيا تعني أن الاتحاد الأوربي كله سيمضي على طريق ألمانيا، فهي قلب الاتحاد ومحركه وأغنى دولة، والثانية؛ في ظل المناكفات الأمريكية الأوربية زمن ترامب، وتقارب روسي أمريكي أو لنقل بوتيني ترامبي، فإن الاتحاد الأوربي يريد أن يستقل بسياساته الخارجية عن سطوة الولايات المتحدة الأمريكية التي تصل في بعضها ولا سيما في حروب وصراعات أمريكا إلى مرحلة التابعية.
وتابع: أن علاقات ألمانيا بسوريا منذ انطلاقة الثورة السورية، كانت تختلف عن علاقاتها ما قبل الثورة، ففي الوقت الذي اتخذت فيه قرارا بوقف العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وساهمت في العقوبات المفروضة عليه منذ أيار/مايو 2011، فإنها في مقابل ذلك تواصلت مع المعارضة السورية، وقدمت مساعدات للاجئي المخيمات، قبل أن يتدفق إليها عشرات الآلاف من اللاجئين في أكبر عملية نزوح في العصر الحالي. وقد اختار السوريون ألمانيا لأسباب كثيرة منها التسهيلات التي قدمت للاجئين، فضلا عن المساعدات الاجتماعية المقدمة لهم «وهذا ما حفز السوريين للانتقال لسوق العمل وتحقيق نجاحات أشادت بها حكومة ميركل ومن بعدها حكومة شولتز، وبعد سقوط نظام الأسد، وبوصف ألمانيا الدولة الأغنى في أوروبا ورابع أكبر اقتصاد في العالم، فضلا عن أنها تحتضن مليون سوري، منهم نحو سبعين ألفًا ممن حازوا على الجنسية الألمانية».



اقرأ المزيد عن:






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد