ألعاب حارتنا

mainThumb

20-03-2025 04:33 AM

كان الله قد منّ على والدي بعد النكسة بخمس سنوات لا أكثر ، أن أنشأ بيتا في حيّ من أحياء مدينة الرصيفة التابعة لمحافظة الزرقاء حيث نزح، وحيث كان المعسكر الّذي يقضي خدمته العسكرية فيه، وكان الحيّ في طور الإنشاء، وتبعه في ذلك أهل قريتنا ، فسمي الحي بـ ( حارة الظّاهريّة ) تيمنًا بالقرية الأصليّة ( ظاهرية الخليل ) ، وما أن انتقلنا إلى الحيّ الجديد حتّى بدأتُ بإنشاء صداقات طفوليّة مع أبناء الجيران وكان أغلبهم من الأقارب ، وكان عمري حينها خمس سنوات بالتّمام والكمال، فكانت صداقاتنا تلك آنية مزاجيّة ، وإن شئت فقل ( مصلحة ) فمنْ أشركنا في لعبة استمرت صداقتنا معه ساعات أو أيام اكثر، وما زلتُ اذكر عددًا من الألعاب الّتي لعبناها؛ فكيف لي أن أنسى ( الشرطي والحرامي والطماية وكم السير، والخريطة ، ومكانك قف ، والسّبع حجار، ووقعت حرب، و...) ولن أكون منصفًا إن لم أذكر أمّ الألعاب الشّعبيّة ، حبيبة الكلّ ( القلول ) بكلّ أنواعها وطرق لَعبها الّتي كنّا نتفنّن بها ، بل كنّا نحتال على أهلنا، وعلى أنفسنا فنشتري
( القلول ) من مصروفنا المتواضع جدًّا ، الّذي لا يتجاوز قرشين في أحسن الأحوال ، كانت زقاق الحارّة مسرحنا ؛ فيها نجتمع ونخطّط ، ونوزّع الأدوار فيما بيننا ، فيها نَمتْ شخصياتنا المتنوّعة بتنوّع البشر، فمنّا القائد القويّ الّذي لا يُردّ له طلب ، ويقوم بتحديد اللعبة الّتي سوف نلعبها ، ومنّا المعترض دائمًا ، وبعد تداخلات من هنا وهناك إمّا أن يُؤخذ برأيه أو يؤجّل قليلا ، ومنّا الموافق تمامًا الّذي لا يعترض ولا يُبدي رأيًا – كحال معظم أمتنا الآن – ومنّا الشّرس الّذي ينطبق عليه المثل القائل ( إيده والهواي ) ، وهذا يكون بيت أهله مقصد الجيران لتقديم الشّكوى تلوَ الشكوى ، وما أجمل تلك اللحظات الّتي كان يسمح لنا أهلنا فيها بعد أخذ وردّ بأن نبقى في الحارة فترة أطول! وهذه اللحظات غالبا ما كانت تعقبها عطلة نهاية الأسبوع ، سأكون منصفا إلى أبعد حدّ إذا قلت بأنّ هذه الألعاب صنعت بشخصياتنا ما لم تصنعه المدارس والجامعات.
غالبا ما استحضر شريط هذه الالعاب في ذهني ، فيرقّ قلبي ، وتدمع عيني حنينا إليها ، ويزداد ذلك عندما ألتقي برفقة طفولتي الّذين ما زلت أتواصل مع الكثير منهم ، وأتألّم عندما أستمع من طلابي الّذين أكنّ لهم كلّ التّقدير ، عن الألعاب الّتي يمارسونها ، حيث هم في غرفهم لا يخرجون منها ، كلّ منهم متمرّس خلف جهاز( البلي ستيشن) أو خلف جهاز الحاسب لا يفارقه يلتصق به ليل نهار ، ولكن لا شاكٍ ولا مشكيّ له ، هذا بودّه لو يخاطبه ،لكنّ الآخر أصمّ أبكم لا يجيب ، ويمكن القول بأن أطفالنا الآن – من وجهة نظرهم قد يستمتعون بهذه الألعاب أكثر مّما كنّا نستمتع بألعابنا ، لكنّ لعله من المناسب أن تأخذ مدارسنا على عاتقها تذكير الأطفال ببعض هذه الألعاب الّتي حرموا منها ، علما بأن الكثير منها يمكن توجيهه تربويًا ، ولي في ذلك تجربة.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد