حلف نتنياهو- ترامب يستأنف جريمة العصر

mainThumb

19-03-2025 04:23 AM

بعد أسابيع من الهجمات المحدودة على جبهات حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وتكسير عظام إرادة الشعوب العربية في الدول المجاورة، استأنفت إسرائيل الحرب الواسعة النطاق على قطاع غزة. وقد بدأ الهجوم بعملية عسكرية جديدة أطلقت إسرائيل عليها «القوة والسيف»، وهو ما يعبر عن هدفها النهائي في تحقيق السيطرة الكاملة على غزة بالقوة، وإنهاء المقاومة بالسيف. إطلاق العملية العسكرية الجديدة تم بقرار مشترك إسرائيلي – أمريكي، يعكس على ما يبدو رغبة كل من نتنياهو وترامب في تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة مواجهة رئيسية، لإعادة رسم خريطة التوازنات في العالم. وربما كانت الهجمات الأمريكية على اليمن، إشارة أولى للإعلان عن هذا القرار. التصريح الذي أطلقته كارولين ليفيت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، لشبكة «فوكس نيوز» الذي جاء فيه أن: «حماس، والحوثيين، وكل من يسعى لإرهاب ليس إسرائيل فحسب، بل الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، سيدفعون ثمنا باهظا. سيُفتح عليهم باب الجحيم على مصراعيه». هذا موقف لا لبس فيه، يؤكد تطابق الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، وأن ترامب الذي كان يزعم أنه لا يريد حربا جديدة في الشرق الأوسط، على استعداد لإشعال نيران الحرب في المنطقة بأكملها من شرق البحر المتوسط إلى جنوب البحر الأحمر إلى شرق الخليج.

ومع ذلك فإن توقيت استئناف الحرب يرتبط بمعضلة الوجود السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يخوض معركة حياة أو موت لإنقاذ مستقبله السياسي في ساحة القضاء، ودهاليز الحكومة، وتحديات الرأي العام. نتنياهو يريد تدمير غزة تماما، وجعل البحر هو الملاذ الأخير للفلسطينيين، وإنهاء مسألة المحتجزين إما باستعادتهم بالقوة أو بإعدامهم مثلهم مثل مقاتلي حماس، وإنهاء وجود أي ذريعة تبرر تعطيل مشروع الهيمنة الرسمية إقليميا، بتوقيع اتفاق للتطبيع مع السعودية على جماجم الشعب الفلسطيني.
ويرى نتنياهو أن إبادة غزة هو شرط بقائه في الحكم، وأن إنهاء المقاومة تماما هو الذي سيترك من تبقى من الفلسطينيين يتيما لا حول له ولا قوة بلا بندقية تحمي وجوده. ما يحكم قرارات نتنياهو هو رغبته في أن يصبح الزعيم اليهودي الذي يحقق لإسرائيل السيطرة على العالم، وليس على الشرق الأوسط فقط، وألا يموت هو شخصيا خارج السلطة، ولكن على عرش الحكم. وفي سبيل ذلك فإنه لا يسعى فقط إلى إبادة الشعب الفلسطيني، بل إنه على استعداد لتبرير التضحية بالآلاف من الإسرائيليين أيضا، وإلصاق تهمة قتلهم بحماس.

الموقف في الأسابيع الأخيرة

في الأسابيع الأخيرة بدا نتنياهو عاجزا عن إحداث أي تقدم على صعيد رأب الصدع السياسي الداخلي، الناتج عن حزمة من الأسباب منها، دخول مفاوضات وقف إطلاق النار إلى طريق مسدود، واتساع نطاق الاحتجاجات الجماهيرية ضد استمراره في الحكم، بالتوازي مع محاكمته في قضايا الفساد المتهم فيها، وارتباك علاقته بالأجهزة الأمنية، التي عبر عنها الصدام بينه وبين رونين بار رئيس الشاباك، وتزايد الخلافات بين وزرائه بسبب مشروع الميزانية، والمواجهة الحادة بينه وبين المدعي العام، ورفض الحريديين نظام الخدمة العسكرية، بينما الجيش يحتاج إلى الآلاف من الأفراد. ومن الواضح ان مظاهر «الإرهاق السياسي» political fatigue التي يعاني منها نتنياهو وحكومته والجيش والمجتمع الإسرائيلي نفسه، تمثل الخلفية المعقدة للمناخ السياسي الداخلي، الذي رافق قرار العملية العسكرية الإسرائيلية الجديدة لاستئناف حرب الإبادة. إن الحرب بالنسبة لنتنياهو كانت وما تزال هي طوق النجاة، الذي يلجأ إليه عندما يخشى من الغرق ويعجز عن مقاومة التيار المعاكس. إنه بالحرب يستنهض قوى اليمين الصهيوني المتطرف، وينفخ في نيران شهية المستوطنين إلى المزيد من القتل والمزيد من حرق الأرض وبناء المستوطنات. وليس من المستبعد أن يعود بن غفير إلى الحكومة مرة أخرى لتعزيز قوتها في الكنيست، إذا استمرت العملية العسكرية الجديدة لعدة أسابيع. ومع طوق نجاة نتنياهو فإنه أيضا يستعين بشهوة ترامب المجنونة إلى الحرب وكأنه إله الجحيم في عالم شرير. في الأسابيع الأخيرة اتسع نطاق الرفض العالمي لمشروع تفريغ غزة من شعبها، وتعالت الأصوات المطالبة روابط نهاية للحرب على أساس صيغة للتعايش بين شعوب المنطقة. وبعد تقديم الخطة المصرية لإعادة بناء غزة، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة مع ملامح جديدة لعالم ما بعد حرب غزة، تختلف تماما مع العالم الذي تروج له. ومن كندا إلى أيرلندا ومن جنوب افريقيا إلى الصين، ارتفعت الأصوات المؤيدة لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى والمحتجزين في صفقة واحدة متكاملة. ووجدت هذه الأصوات صدى داخل إسرائيل نفسها، حيث دعت أسر المحتجزين والجماعات الرافضة للحرب إلى السير في طريق المفاوضات بجدية، للتوصل إلى صفقة تضمن تسليم كل المحتجزين الأحياء والأموات مرة واحدة مقابل وقف الحرب نهائيا. إن عملية القوة والسيف تجيء لقطع الطريق على خطة للسلام من خلال المفاوضات، وتأكيد مبدأ «السلام بالقوة» الذي يروج له نتنياهو في العالم.
ومع تزايد حدة الانقسامات في إسرائيل بسبب عزم جهاز الشاباك فتح تحقيق في ما أصبح يعرف بـ»قطر جيت» المتهم فيه بنيامين نتنياهو، وإعلان إجراءات للبدء في سلسلة من الاحتجاجات، تتضمن إضرابا بقيادة اتحاد نقابات العمال «الهستدروت»، واتحادات رجال الأعمال، واتحادات المهنيين مثل الأطباء، فقد شعر نتنياهو بأن الوقت قد حان لاستخدام طوق النجاة، لأن اتساع نطاق الاحتجاجات في النصف الثاني من هذا الشهر من شانه أن يعقد إقرار الميزانية للسنة المالية الجديدة في الموعد المقرر، وهو ما يعني تلقائيا سقوط الحكومة، وبدء إجراءات الدعوة إلى انتخابات عامة. وفي حال إجراء انتخابات عامة وسط هذه الظروف، فإن نتنياهو قد يخسر حلمه للأبد، ليس ذلك فقط بل إن هذا السقوط وسط محاكمته في قضايا الفساد المنظورة حاليا يعني أنه سيظل مطاردا في ما تبقى من حياته السياسية، مغضوبا عليه بسبب الهزيمة في حرب غزة، ومكروها بسبب جرائمه وانتهاكه للقوانين. ومع أن نتنياهو كان أمامه خيار آخر، هو الاستمرار في الاعتداءات العسكرية التكتيكية في غزة والضفة وجنوب لبنان وسوريا، والمضي قدما في طريق المفاوضات بلا تردد، فإن خياره كما حدث أمس كان المضي قدما في جريمة العصر ضد الشعب الفلسطيني.

في حتمية الرد العربي

ونظرا لأن المشروع الإسرائيلي في الشرق الأوسط لا يتوقف عند حدود إبادة الفلسطينيين والسيطرة على غزة والضفة الغربية، وإنما هو يمتد إلى كل المناطق المجاورة «الرخوة» عسكريا وسياسيا، فإن الوضع قد يتدهور أكثر في سوريا ولبنان واليمن، بل إن اقتراب طائرات التجسس الأمريكية من المجال الجوي الإيراني وتصدي الطائرات الإيرانية لها لإبعادها، قد يكون مؤشرا على احتمال شن عملية عسكرية محدودة ضد إيران. وفي الوقت نفسه فإن توسيع العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن، قد يفتح أبواب انتشار الحرب في الخليج. وفي إطار تقسيم العمل العسكري في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن واشنطن قد تقرر المزيد من القوات الأمريكية للقيام بمهمات أوسع نطاقا. الخطورة فيما يحدث الآن من المنظور الإقليمي أن يكون هدف كل من الولايات المتحدة وإسرائيل هو تغيير قواعد اللعبة تماما في الشرق الأوسط، من خلال ممارسة ضغوط شديدة على ما يسمى بالأنظمة المعتدلة في المنطقة، ومنها السعودية ومصر والأردن، وتوسيع نطاق الحرب في سوريا لمنع احتمال حدوث استقرار مبكر هناك. ويتم تداول تقارير في إسرائيل حاليا بأن سوريا يمكن أن تكون أحد البلدان المفضلة لإعادة توطين فلسطينيي غزة. ولن يكون هذا قابلا للتنفيذ إلا في ظل حالة من الفوضى العسكرية والسياسية الإقليمية.
هذه التطورات السريعة، واحتمالات توسع العمليات العسكرية لا يحتمل استمرار غياب الرد العربي والموقف السلبي الذي تتخذه بعض الحكومات العربية، التي لديها أوراق ضغط يمكن التهديد باستخدامها، أو حتى استخدامها بالفعل لوقف جريمة العصر، التي يتم ارتكابها على مشهد ومرأي من العالم كله. هذا لا يعني أن تكون الدول العربية أو بعضها طرفا في الحرب، لكنه يعني استخدام أدوات القوة الناعمة المتاحة، مثل تجميد اتفاقيات التعاون العسكري، ووقف التنسيق في إطار القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى، ووقف السماح للطائرات الإسرائيلية بعبور الأجواء العربية إلى جنوب آسيا والشرق الأقصى، وتجميد كل الأنشطة المشتركة مع إسرائيل. نيران هذه الحرب لن تتوقف عند غزة، ولا عند الضفة الغربية، ولا جنوب لبنان ولا سوريا، عملية «القوة والسيف» تهدف لحرق الإرادة المستقلة في المنطقة ووضع رؤوس شعوبها تحت أحذية إسرائيل .
كاتب مصري



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد