السعودية وسوريا بين الأمس واليوم

mainThumb

17-03-2025 01:41 AM

تقوم العلاقات بين الدول على أساس تحقيق المصالح المتبادلة، وليس في قاموس السياسة البذل والإفادة من طرف واحد، مهما ارتبطت الدول بعلاقات ذات أبعاد مختلفة، فإما أن يكون الدافع تحقيق منافع، أو درء مخاطر، ففي النهاية مهمة كل نظام أن يعمل على تحقيق المصالح لوطنه وصيانة أمنه.
لقد بدا منذ إسقاط نظام بشار الأسد، أن المملكة العربية السعودية تتجه لأداء دور فاعل في سوريا، والعمل لأن تكون شريكا رئيسيا في بناء سوريا الجديد. السعودية قبل الإطاحة بنظام بشار كانت تتعاطى مع أزمة السوريين بجدية، إذ أنها احتضنت ما يزيد عن ثلاثة ملايين سوري بصفة مقيمين لا لاجئين، وأدمجتهم في المجتمع السعودي، ومكنتهم من العمل، وقدمت لهم خدمات مجانية في مجالي الصحة والتعليم.

وما أن صعدت الحكومة السورية الجديدة، حتى أيدت السعودية خيار الشعب السوري، وأعلنت دعمها للقيادة الجديدة، والعمل على إدماج سوريا في البيت العربي من جديد، وقامت بعمل جسر جوي إغاثي لتحسين الأوضاع المعيشية في سوريا، وعقدت عدة لقاءات مع الرئيس أحمد الشرع ورجال حكومته في الرياض ودمشق، معلنة عن توطيد العلاقات والعمل بجدية على بناء سوريا موحدة، والسعي دوليا لرفع العقوبات على سوريا.
التوجه السعودي الداعم للإدارة السورية الجديدة أظهر ثباته، فلم تقدم السعودية قدما وتؤخر الثانية في انتظار ما تُسفر عنه الفاعليات المناهضة للنظام، التي حركتها النزعات الانفصالية التي تغذيها أطراف خارجية، ولا الاضطرابات وأحداث العنف الأخيرة، التي قامت بها فلول النظام السابق، بل سارعت لإدانة الجرائم التي ارتكبها الخارجون عن القانون، وإعلان وقوفها إلى جانب الحكومة الرسمية لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي، إضافة إلى الإشادة بخطوة الحكومة السورية التي اتخذتها بشأن توقيع الاتفاق على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة السورية.
ربما تتشابك الأسئلة حول تباين السلوك السعودي حيال سوريا قبل وبعد سقوط النظام، إذ أنها بدأت منذ مطلع عام 2023 في قيادة جهود دبلوماسية أعادت مقعد سوريا في الجامعة العربية، وبالفعل حضر بشار قمة جدة في أيار/مايو من العام نفسه، إضافة إلى إعادة افتتاح سفارتها في دمشق.
مع أن السعودية قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات، وتحديدا في شباط/فبراير 2012، قطعت علاقتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وأغلقت سفارتها في دمشق، احتجاجا على استخدام بشار الأسد للقوة في قمع المعارضين.
في واقع الأمر، يرتبط تعامل السعودية بشأن الملف السوري بشكل حيوي ورئيسي بالنفوذ الإيراني، وهو الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمن الخليجي بشكل عام.
إيران كانت الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد، الذي يمثل حلقة مهمة رئيسية في سلسلة ما يعرف بمحور المقاومة، والذي أنشأته إيران، التي قدمت لهذا النظام دعما يربو على خمسين مليار دولار خلال عشر سنوات، في شكل دعم مالي ومنح نفطية، إضافة إلى الدعم العسكري المتمثل في قوات الحرس الثوري والميليشيات الموالية لإيران، التي قاتلت في صفوف النظام. 11 عاما من الاقتتال، كانت كفيلة لتدرك السعودية أن النظام السوري باق، خاصة بعد دخول روسيا على الخط لدعم بشار، فكان الاتجاه لأن تعمل السعودية على محاولة فك الارتباط بين النظام السوري وإيران، وتقديم حاضنة عربية بديلة، لتقليل خطر إيران على الخليج والمنطقة، بعد أن عانت السعودية ودول الخليج كثيرا بسبب نفوذ إيران المتنامي في المحيط العربي. لكن الأوضاع تغيرت تماما، فالمحور الإيراني تراجع نفوذه بشكل حاد بعد الضربات التي تلقاها حزب الله اللبناني وأضعفته كثيرا، ثم سقوط نظام بشار الذي يعد خسارة كبيرة لإيران، التي انكفأت على مشكلاتها الداخلية والملف النووي. خروج سوريا من العباءة الإيرانية لاقى ارتياحا شديدا بالطبع من قبل المملكة، التي رأت في رعاية ودعم هذا التحول في سوريا فرصة سانحة لخلق واقع طبيعي متمثل في دمج الجمهورية السورية في محيطها العربي، وملء الفراغ الذي تركته إيران، والعمل على استقرار سوريا، الذي ينعكس بلا شك على أمن السعودية والخليج، فسوريا مستقرة موحدة، يعني كسر هلال النفوذ الإيراني.
هذه الرؤية جعلت السعودية تبدي مرونة كبيرة في التعامل مع الإدارة السورية الجديدة التي خرجت من عباءة هيئة تحرير الشام، ومما لا شك فيه أن هناك حساسية شديدة للدول العربية في التعامل مع الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن ظهر الانفتاح السعودي مع أصحاب هذه الخلفية في سوريا لتحقيق هذه المصالح العليا، خاصة بعد أن أظهرت الإدارة السورية الجديدة خروجها من نطاق التفكير والعمل بعقلية الجماعة والثورة إلى عقلية رجال الدولة.
سوريا التي تسعى جاهدة للاندماج من جديد في البيت العربي، بحاجة إلى السعودية كقوة اقتصادية كبرى، لتذليل العقبات الاقتصادية التي خلفها النظام السابق، الذي ترك البلاد خاوية على عروشها، كما أنها بحاجة إلى السعودية ذات الثقل السياسي والعلاقات الخارجية المفتوحة، لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. السعودية بدورها تستفيد من علاقتها بسوريا الجديدة أمنيا بتقليص النفوذ الإيراني كما أسلفنا، وكذلك من مكافحة أنشطة تجارة المخدرات، التي احترفها النظام السابق وأغرق بها الأسواق الخليجية والعربية، وذلك من خلال التعاون مع الحكومة الجديدة. أضف إلى ذلك فتح أسواق جديدة للاستثمار السعودي والخليجي في إعادة الإعمار في سوريا.ربما يتجه البعض إلى القول بوجود علاقة تنافسية وصراع نفوذ بين السعودية وتركيا في سوريا، لكن الذي يظهر أن تركيا بحاجة إلى السعودية في تحقيق الاستقرار في سوريا، فلئن كانت أنقرة لها الدور الأكبر في تعزيز الأمن ونظام الحكم في سوريا، إلا أنها لن تستطيع أن تقوم بالدور السعودي في التعافي الاقتصادي لهذه الدولة، والذي هو صلب عملية التحول، فمن ثم أعتقد أنه ستكون هناك أدوار تكاملية بين السعودية وتركيا في هذه المرحلة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد