السوريون بين الحاضر والمستقبل

mainThumb

16-03-2025 03:41 AM

وسط هالة من غموض والتباس يلفان المشهد السوري، يزداد طرح الأسئلة، والسؤال الأكثر شيوعاً عن سوريا وحولها، هو السؤال عن المستقبل، والقليل من لا يسأل إلى أين تتجه الأمور؟ وما الاحتمالات في تطور الأوضاع في سوريا؟ وقد تطرق الأسئلة أموراً تفصيلية، تتناول بعض الأحداث، مثل السؤال عن مستقبل الاتفاق الذي تم توقيعه بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والإدارة السورية في دمشق؟ أو سؤال يتعلق ببعض محتويات الإعلان الدستوري الصادر مؤخراً، وبما يمكن أن تتمخض عنه عملية تشكيل اللجنة الخاصة بالتحقيق بما شهده الساحل السوري من أحداث عنف دموي مؤخراً بدأها فلول نظام الأسد.

وللحق فإن الأسئلة التي تطرح مهمة، وكذلك الإجابة عنها. ليس من أجل فهم مسارات واحتمالات المستقبل، إنما أيضاً من أجل تطمين السوريين، وتغذية الأمل في أن القادم من الأيام، يحمل مستقبلاً أفضل وأجمل، يتجاوز معاناة عاشها السوريون، تعرضوا في الأربعة عشر عاماً الأخيرة منها لحجم هائل من الخسائر البشرية والمادية من الصعب حصر الظاهر منها، والأصعب حصر ما هو خفي أو مخبأ، وسيمر كثير من الوقت لتكون هناك محصلة كاملة للخسائر.

وإذا كانت الأسئلة والأجوبة مهمة في إطار تقديرات مستقبل السوريين، فإن الأهم منها هي الأسئلة المتعلقة بالواقع الحالي، لأن المستقبل مرهون بمعرفة واقع السوريين اليوم، ورسم معالم التعامل معه والبناء عليه عبر الخطط والأدوات والأهداف والمراحل الزمنية، وأن تكون كلها قابلة للقياس والتعديل وفق أهداف وظروف الواقع في بنيته وحراكه وتفاعلاته وعلاقاته الداخلية والخارجية.

وتختصر الصورة العامة لحالة سوريا بالقول، إنها بلد مدمر. يواجه من الناحية السياسية تحديات وحدته في ظل اشتراطات ومساومات أطراف أبرزها قوى الأمر الواقع، تضغط على سلطة العهد الجديد، التي تشكل «هيئة تحرير الشام» نواتها الصلبة، في وقت تواجه حكومة دمشق حالة من انهيار وإعادة تأسيس إدارات ومؤسسات الدولة، إضافة إلى ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة نتيجة ضعف البنى والأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وعدم سيطرتها على موارد البلاد وخاصة النفط والحبوب والمياه، ونقص الأيدي العاملة الخبيرة والمدربة، وضعف السيطرة الحكومية على نقاط العبور مع الخارج.

ويقترب خراب أحوال السوريين مما هي عليه حالة البلاد. حيث يغرق السوريون في حالة عامة من التشوش والانقسام الآيديولوجي والسياسي، ويعجزون عن توليد المشتركات، وتقريب المسافات حتى بصدد توافقاتهم الكبرى في الخلاص من آثار المرحلة السابقة واستعادة حياتهم طبيعتها، ويضاف إلى ما سبق، واقع الانتشار السوري، وضبابية أرقامه بين الداخل والخارج، واتساع حجم معاناة غالبيته سواء في الداخل أو الخارج، رغم اختلاف طبيعة المعاناة، إذ يعاني سكان الداخل من صعوبات معاشية واجتماعية، تفاقمت مع انهيار مؤسسات الدولة وخروج العاملين فيها من الخدمة، بينما يعاني القسم الأكبر من الموجودين في دول الجوار ظروفاً معاشية وإدارية صعبة، وفي الحالتين، فإن قلة من السوريين لديهم ظروف أفضل من الغالبية، يمكن إذا توفرت لهم ظروف مناسبة، أن يلعبوا دوراً مهماً في مستقبل سوريا.

وتعاني النخبة السورية في الداخل والخارج من ضعف شديد في وحدتها ورؤيتها ودورها، نتيجة انقساماتها وصراعاتها، وبسبب ما لحقها من دمار مارسه نظام الأسد ضدها، إذ لم يوفر طريقة لإخضاعها وإذلالها وافتقارها إلا واتبعها، كما لعبت بعض دول الشتات السوري دورها في إضعاف النخبة السورية المقيمة فيها من الناحيتين السياسية والاقتصادية.

ومن البدهي القول إن حالة ضعف المجتمع وتردي أوضاع النخبة، يجدان صداه في واقع الأخيرة داخل السلطة، الأمر الذي يفسر واقع حال السلطات الحاكمة والنافذة في حكومة العهد الجديد في دمشق، كما في الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وتمتد التأثيرات إلى قيادات الهياكل السياسية والمدنية، التي يسود فيها نهج الاستئثار بالسلطة والاعتماد على الشللية والضعف في التقاط الأهداف واللحظات السياسية، وتركيز جهودها في الصراعات البينية للفوز على الخصوم وعلى الجمهور أيضاً.

الهدف الذي ينبغي أن يعالج هو إخراج سوريا من الحفرة التي أوقع نظام الأسد السوريين فيها، والتركيز على هدفين أساسيين، الأول توفير الأمن الذي يضمن الحفاظ على الحياة بالحقوق الأساسية والعلاقات السلمية، والثاني تأمين احتياجات العيش الأولى، التي توفر سكناً وعملاً وطعاماً وشراباً وصحة، وتعليماً للأولاد، وبعد أن تتوفر تلك المتطلبات، يمكن أن يبدأ السير نحو مسار للدولة والشعب، يذهب في اتجاه تطبيع الحياة في سوريا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد