يا عيني على وسط البلد

mainThumb

09-03-2025 01:47 AM

وسط البلد عمان عِشقٌ، عشقٌ من نوع آخر غير الأنواع المعروفة، فأنت إن زرتَ منطقة وسط البلد مرّةً واحدة سوف تُصبح العاشق الولهان لها، وسوف تَهيم بها، وبكلّ ما فيها، وسوف تعتاد تكرار الزيارة لمعشوقتك، هذا ما حدث معي منذُ أنْ كنتُ شابَّا، أسرتني منطقة وسط البلد منذ ثلاثين عامًا، وحتّى اللحظةَ لا يمرّ شهر دون معانقتي لها، حتّى حينَ كنتُ مغتربًا كانت زيارتها في كلّ نزلةٍ من نزلاتي الكثيرة إلى عمّان ضرورة وأولوية.
بالنسبة لي تبدأ منطقة وسط البلد من الساحة الهاشمية التي تنظرُ من خلالها إلى المدرج الروماني الشامخ، حيثُ تشتمّ منه عبق التاريخ، وحيث يلتقي الحاضر بالماضي فيتعانقان، ثمّ تسيرُ نحو شوارع عمّان حيثُ دكاكين العطور والبهارات الّتي تفوح منها الروائح الزكية، الروائح الّتي تُدغدغُ كلّ حواسك، ولا تستطيع مقاومتها، في وسط البلد حين تسير راجلا سترى محلات الملابس حديثها وقديمها، ولكنّ القديم سيكون أكثر جذبا وجلبا لك، فالثياب النسائية الشعبية المطرّزة التي تحكي قصّة الماضي والتقائه بالحاضر، والثياب الرجالية ومحلّات تفصيلها فهذا المحلّ يبيع الشماغ والعقال والبشت ( العباءة الرجاليّة)، وهذا خيّاطٌ يفصّل الثياب بكلّ أنواعها ويعرض تصاميمه لجذب المارّة والمتسوّقين، كلّ هذا وأنت تسير بأريحيّة وتنظرُ في عيون الناس وينظرون إليك، ففي وسط البلد الناس يعرفون بعضهم، وفي وسط البلد ستمرّ على بائعي البسطات فهذا يبيع الفول السوداني( الفستق) وذاك يبيع القهوة، وآخر التمر الهندي، وما إن تتغلّغل في وسط البلد أكثر حتّى تستوقفك محلّات العصائر الطبيعية( الكوكتيل) وقدْ تمّ عرض الفواكه فيها بطريقة ساحرة فالرمان يُعانق البرتقال ويصطف إلى جانبهما المانجا والتفّاح، وحولهما الفروالة و...، وغير بعيد محلّات تبيع عصير قصب السكّر، فأنت في وسط البلد تحتار أيًّا تشتري وتتذوّق، وينطبق عليك المثل الّذي يقول:" بدك تحيره خيْره"، وليس أروع ولا أجمل حين تكون في وسط البلد فيحين موعد الآذان فيصدحُ المؤذن من الجامع الحسيني بـ ( الله أكبر) فترى الناس يهرعون نحو الجامع تاركين الدنيا وما فيها، وكثير منهم يقف في ساحة الحسيني ينتظر الإقامة وهم يتبادلون الأحاديث، أو ينظرون إلى البضاعة المعروضة على البسطات أمام الساحة وفيها، وما إن تنتهي الصلاة حتّى يخرجون إلى الساحة ويبتاع كثير منهم من البسطات، وتهاجمك وتأسرك هنا الروائح الزكية المنطلقة من محلّات العطارة القريبة من الجامع، بعد الصلاة يعود الماشي في وسط البلد إلى متعة إضافية فيرى كلّ محلّات الحلوى وخاصّة الكُنافة فيشترى صحنا إن كان فردًا، وأكثر من صحن إن كان مع رفقائه، وفي وسط البلد تنتشر المطاعم بكافّة أنواعها الشعبية وغير الشعبية فبإمكانك أن تتناول الحمص والفول والمسبّحة مع الشاي، أو سندويشة ع الطاير، وبإمكانك أن تأكل وجبة دسمة من الطبيخ أو المشاوي، كل الخيارات أمامك ممكنة ومُتاحة، ومن الجميل في عمّان المقاهي قديمها وحديثها، تلك المقاهي الّتي تجعلك تُطلّ على المنطقة من مكان عالٍ ترى المزيد من الجمال والروعة، فقديم هذه المقاهي يقدّم الشاي والقهوة والزهورات ويصدح فيه صوت كبار المطربين عبر المسجّل وله زبائنه، وحديثها يقدّم إلى ما سبق الكابتشينو، والّلاتيه وبعض العصائر، وله كذلك جمهوره وزبائنه، في وسط البلد تستمع بكلّ الأشكال، فأنتَ تُمتّع عينَك وأذنك وأنفك، فترى وتسمع وتشمّ.
وفي وسط البلد مكانٌ للقارئين والباحثين عن مُتعة القراءة؛ فأكشاك الكتب في كل مكان، والمكتبات كثيرة كذلك، وفي متناول يدك الكتب، وبالأسعار الّتي تُريد.
أمّا في الشتاء فوسطُ البلد له أجواء أخرى؛ فهذا يشوي الكستناء ويقدمها لك على الفور، وهذا يبيع السحلب والمشروبات الدافئة، وذاك يشوي الذرة أمامك، فتتناولها مستمتعا.
ودعني أحدثك عن وسط البلد في رمضان: ففي النهار تنشط حركة بيع التمر الهندي والسوس والليمون، ويُقبل الناس على محلات القطايف، وترى في رمضان الكثير من بسطات الأعشاب والخضراوات، فالفجل والبصل الأخضر والنعناع والبقدونس والجرجير سيدة هذه البسطات وزينتها، وما أكثرها!! أمّا في ليل رمضان فمحلات بيع الحلويات تزدحم، والمطاعم تنشط حركتها فلا تغلق إلا بعد السحور في أجواء ولا أروع!!
بقي أن أقول: وسط البلد ليس مكانا وحسب، وسط البلد بلدُ مُتكامل، تجدُ فيه ما يطيب لك من مأكل ومشرب وملبسٍ وممشى، وفيه غذاء الروح والراحة والطمأنينة للباحثين عن الطمأنينة، وسط البلد شفاء للكثير من الهموم.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد