تلعب أميركا النّرد بحياة الفلسطينيين

mainThumb

07-03-2025 02:23 AM


لم تكشف الإدارة الأميركية بوضوحٍ، حتى الآن، الطريقة التي يفكّر فيها ترامب بتهجير الفلسطينيين، غيرَ أنّ عدداً من المراقبين ربطوا التّهجير بإرسال البيت الأبيض قنابل ثقيلة (ألفي رطل) لدولة الاحتلال الإسرائيليّ أوّل أيام ولاية ترامب، وهذا رأي له ما يبرّره، فمَن غيرهما (إسرائيل وأميركا) تستطيبان التّوحش والقتل والإبادة، ومن غيرهما قامتا على التّطهير العرقيّ والإحلال؟ كما أنّ تصريحات لمسؤولين أميركيين استعملت مصطلحات "تنظيف" أو "تطهير" قطاع غزّة عند وصف رؤية ترامب، زادت من وجاهة هذا الرأي بعد خمسة عشر شهراً من إبادة جماعيّة بثّت على الهواء مباشرةً لم يحرك لها العالم ساكناً، إضافةً إلى تهديدات يطلقها ترامب كلّ حين.
بيدَ أنّه يدلُّ على المسير الأثَرُ، أعني هنا أنّ سياسات ترامب (أو ترامبيّته) أقلّ نزوعاً للحلول العسكريّة المباشرة رغم وعيده الصّريح بـ"جحيمٍ" يطاول الشّرق الأوسط، إذ هي أكثر ميلاً نحو الابتزاز والمُساومة، سياستَين أساسيتَين تُسندان استراتيجيّة عقد الصّفقات التي ينتهجُها. لذا؛ فإنّني أميلُ للاعتقاد أنّ تهجيراً قسرياً يكتسي ثوب الطوعيّ سيمارس على الفلسطينيين تدريجياً، أو أنّه قد بدأ فعلًا منذُ أن تساقط الغزّيون جوعاً كأوراق الشّجر في الشّوارع شمال القطاع، مروراً بتسوية أغلب البنى التحتيّة والمباني والمرافق الأساسيّة بالتراب، وقتل عشرات آلاف الفلسطينيين حتّى الأجِنّة في الأرحام، وليس انتهاءً بانسحاب أميركا من "أونروا"، بحيثُ أصبحت (وستصبحُ أكثر) الحياةُ في ما تبقّى "لنا" من غزّة تحديداً شبه مستحيلة، خاصّة إذا نظرنا بانتباه إلى عرقلة سلطات الاحتلال الإسرائيليّ إدخالَ معدّات الإيواء المؤقتة إلى القطاع، وإصرارها تأجيل نقاش إعادة الإعمار، إضافة إلى تعثّر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النّار، وبالتالي فمن الممكن أن يلي ذلك كلّه إغراء أو تسهيل للخروج عبر البر أو البحر وتحت بند المؤقّت، وإقامة الفلسطينيّ منذُ عام 1948 إقامةٌ في المؤقت.
أمّا في الضّفة الغربيّة فإجراءات الاحتلال المتعاقبة والمتسلسلة، وعملياته قصفاً واعتقالاً واقتحاماً وهدماً في مخيماتها تحديداً، وحديثه عن بنك أهداف محتمل، وآلافُ مستوطنيه الذين يهاجمون القرى والتجمعات الفلسطينيّة، واتساع الأراضي التي تصنّف مناطقَ (ج)، والتي تشكّل نحو 60٪ من مساحة الضفة، كلّها مؤشّرات على مآلات صعبة تضمّ دولة الاحتلال فيها الضفة أو أجزاء منها.
"الأردن أو مصر أو ألبانيا دولةً ثالثةً"؛ تلعبُ الولايات المتّحدة النّردَ بحياة الفلسطينيين، أملاً بأن تصبح "أعرضَ" من قلم ترامب دولةُ الاحتلال، وبأن تشتركَ "القبائل" في تفتيت اللحم الفلسطينيّ نهائياً. وفي حديثِ المُساومات والصّفقات فإنّه ليسَ لدى الفلسطينيين ما يقدّمونه لترامب وإدارته ولا لغيرهم؛ "هذا دمي.. دمُكُم خذوه ووزّعوه شجراً على رملِ العرب"!، وليسَ لديهم الآن إلّا الموتُ والجوع الذي خلّفته آلة الاحتلال. و«المخيفُ» جداً أن يُعاد إنتاج أسْطَرَة الغزّيين (والفلسطينيين) وتصديرُها، وأن يُلقى على كاهلهم وحدهم عبء مواجهة التّهجير القسري أو الطوعيّ، لا أقول إنّهم لن يواجهوا؛ فالذي رأى أكثر من نصفِ مليون فلسطينيّ يعبرون نتساريم عائدين من الدّمار إلى الشمال المدمّر أيضاً، والذي رأى رجالاً حفاةً يهرولون بعبوة بدائيّة الصنع نحو دبّابة، والذي رأى مخيّمات الضفّة تدكّ على رؤوس ساكنيها ولا يتزحزحون عنها، يدركُ تماماً أنّ اقتلاع شعب كهذا قسراً أو طوعاً بعيدُ المنال، لكنّني أقول إنّ للإنسان الذي خذلته الدنيا طاقة على التّحمل، وإنّه توجّب على الجهات كافّة الوقوفُ فوراً أمام مخطّطات تهجير الفلسطينيين التي تُحاك في واشنطن، إلى أيّ مكان، وألّا يترك الفلسطينيون مرّة أخرى يواجهون مصيرهم وحدهم بالترغيب أو التطهير العرقيّ، وقوفاً يكونُ أكثر من قرارات أو خطّة. وإنّه توجّب على الفلسطينيين بدورهم إعلان مصالحة فورية شاملة غير مشروطة، وترتيب أوراقهم الداخليّة المبعثرة والدامية، لعلّ ذلك "ينقذهم في انفضاضِ القافلة"... وأقتبس من الشّاعر الغزيّ الشّهيد سليم النّفار.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد