عندما تتحول الجامعة إلى ساحة قمع: من ينقذها

mainThumb

06-03-2025 03:23 PM

في لحظة مفصلية من تاريخ أي مؤسسة أكاديمية، يكون الاختيار الخاطئ لقيادتها بمثابة حكم بالإعدام على مستقبلها. وعندما يُعيَّن رئيس جامعة – في أي بلد في العالم ولا نتكلم عن الاردن بالذات - بالواسطة والمحسوبية، فإنه لا يمكن أن يُنتظر منه سوى مزيدٍ من التراجع والانهيار. فكيف إذا عُين شخصاً "ضحل التفكير، ضيّق الأفق، فاقدًا للبصيرة، ويجهل أبجديات الدستور ومواثيق حقوق الإنسان" على سبيل المثال لا التحديد ، ماذا سيجري بتلك المؤسسة ؟؟!!! .

كيف يمكن لأي مؤسسة أكاديمية وقد تكون عريقة أن تزدهر عندما يظن رئيسها أنه حاكم عسكري، فيُصدر القرارات وكأنها أحكام عرفية، ويستبدل لغة الحوار والانفتاح بالتهديد والتخويف؟ إن الجامعة التي تُدار بهذه العقلية لا يمكن أن تكون سوى في غرفة الإنعاش، تعاني من اختناق إداري وأكاديمي، ومهددة بفقدان هويتها ورسالتها العلمية.

إن رئيس أي جامعة لا يستمد شرعيته فقط من قرار تعيينه، بل من احترامه للمؤسسة التي يقودها، ومن حفاظه على كرامة أساتذتها وموظفيها وطلبتها. وحين يفشل في ذلك، فإنه يفقد كل مبررات وجوده، وتسقط عنه شرعيته الأكاديمية والأخلاقية. فلا يمكن أن يكون من يُضيّق على الحريات الأكاديمية، ويقمع أصوات الأساتذة والموظفين، ويصادر حقهم في التعبير والاحتجاج، أهلًا لقيادة صرحٍ علمي، سواء أكان ذلك في الصومال أو مدغشقر أو جزر سليمان فالحال واحد والمبادئء الدستورية ومواثيق حقوق الانسان والاخلاق واحدة لا تتجزأ ولا تختلف.

نحن أكاديميون، علماء، ومربّون، ولا نقبل لغة التهديد والوعيد. نحن مواطنون أردنيون أحرار، ولن نسمح لأحدٍ أن يبيعنا الوطنية، أو يزايد على انتمائنا لهذه الجامعة ولهذا الوطن. السكوت لم يعد خيارًا، وصرف النظر عن الإساءات المتكررة لمؤسستنا لن يكون مقبولًا بعد اليوم.

من غير المقبول أن تكون الجامعة، التي يُفترض أنها تُعلّم الطلبة والمجتمع مفهوم الحقوق والحريات، مسرحًا للقمع والتخويف! كيف لأساتذة القانون أن يُحاضروا عن الدستور وحقوق الإنسان، بينما يُمارَس القمع على زملائهم في المكاتب المجاورة؟ كيف لأساتذة العلوم السياسية أن يُعلّموا الطلبة عن الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، وهم أنفسهم يتعرضون للتهديد بسبب تعبيرهم عن آرائهم؟!

ماذا سيقول أساتذة التاريخ عندما يشرحون للطلبة عن محطات النضال من أجل الحقوق والحريات؟ هل سيعترفون بأنهم، في عام 2025، لم يكونوا قادرين حتى على الاعتراض على قرارات إدارية ؟! هل سيقول أساتذة التربية لطلبتهم إنهم عاشوا تجربة عملية في القمع داخل الجامعة التي يُفترض أنها منارة للعلم والحوار؟!

كيف يمكن أن يُؤتمن هؤلاء الإداريون على مستقبل الطلبة، وهم غير قادرين حتى على استيعاب مفهوم الحق في التعبير؟ كيف يمكن لهم أن يقودوا مؤسسة أكاديمية، وهم يتصرفون وكأنهم رجال أمن في ثكنة عسكرية، لا أكاديميون في جامعة؟

إن ما يحدث اليوم في هذه الجامعة يطرح تساؤلات خطيرة: أين دولة رئيس الوزراء مما يجري؟ هل وصل إلى مسامع الحكومة حجم التدهور الحاصل؟ هل يدرك المسؤولون أن هذه الجامعة، التي كانت يومًا منارة علمية، أصبحت اليوم نموذجًا على الفشل الإداري؟

لم يعد من المقبول أن تبقى الجامعات رهينة قرارات فردية، ولا أن تتحول إداراتها إلى أنظمة قمعية تُمارس الترهيب بدلًا من القيادة الحكيمة. نحن في دولة تحكمها القوانين والدستور، ولسنا في مزرعة خاصة يُقرر مصيرها وفق الأهواء والمصالح الضيقة.

إنقاذ الجامعة مسؤولية وطنية، والصمت يعني التواطؤ. وعلى الحكومة أن تتحرك فورًا قبل أن تفقد هذه المؤسسة ما تبقى لها من سمعة وهيبة. فالجامعات ليست مجرد مبانٍ وقاعات، بل هي عقول تفكر، وأصوات تعبر، وحرية تُحترم. وإذا فقدت هذه القيم، فإن أي حديث عن التطوير والتقدم يصبح مجرد وهمٍ وسراب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد