الملك .. ثلاث لاءات ثابتة

mainThumb

05-03-2025 05:06 PM

على مدى خمسة وعشرين عامًا لم يحد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عن موقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية. موقف صلب لا يتغير ولا يتبدل، متجذر في عقيدة الدولة الأردنية ونهجها القومي الراسخ. ثلاث لاءات رسمت ملامح هذا الموقف، لاءات لا تخضع للمساومة ولا تنحني أمام الضغوط. لاءات شكلت صمام أمان للحق الفلسطيني، ولاءً للعدالة، وانتصارًا للتاريخ، وتمسكًا بالمبادئ. لا للتهجير، لا للتوطين، لا للوطن البديل.

هذا الموقف لم يكن مجرد شعار يردد في المحافل، بل كان نهجًا سياسيًا واضحًا تجسد في خطوات ثابتة وسياسات حكيمة، دفاعًا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعمًا لصموده، ورفضًا لكل المخططات التي تهدف إلى تصفية القضية أو تحريف مسارها. فقد ظل الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الدرع الذي يحمي الحق الفلسطيني، والسند الذي لا يخونه، والصوت الذي لا يهادن حين يتعلق الأمر بمستقبل فلسطين وحقوق شعبها.

لاءات في مواجهة التحديات

في عالم تتغير فيه المواقف تبعًا للمصالح، وفي محيط يعج بالتحولات السياسية، ظل الأردن متمسكًا بموقفه الراسخ. فمنذ اعتلاء جلالة الملك عبدالله الثاني العرش، واجهت المنطقة تحديات جسام، بدءًا من محاولات فرض حلول غير عادلة على القضية الفلسطينية، مرورًا بمشاريع تصفية الحقوق التاريخية، وصولًا إلى الضغوط السياسية والاقتصادية التي سعت إلى ثني الأردن عن موقفه. لكن الرد كان دائمًا واحدًا، لا تراجع، ولا تنازل، ولا تفريط.

لا للتهجير، لأن فلسطين لأهلها، ولا يملك أحد أن يقتلع شعبًا من أرضه أو أن يفرض عليه واقعًا جديدًا يتناقض مع حقه التاريخي. الأردن يدرك أن تهجير الفلسطينيين ليس مجرد تهديد لهم، بل هو تهديد للأمن القومي الأردني والعربي بأسره، ومقدمة لمؤامرات لا يمكن السكوت عنها.

لا للتوطين، لأن حق العودة مقدس، ولأن الفلسطينيين في الأردن أشقاء لهم كل الحقوق، ولكنهم ليسوا بديلاً عن وطنهم، وليسوا ورقة للمساومة على حساب قضيتهم العادلة. التوطين يعني شطب الهوية الفلسطينية وتصفية حق العودة، وهذا ما لا يمكن قبوله تحت أي ظرف.

لا للوطن البديل، لأن فلسطين هي فلسطين، والأردن هو الأردن، ولا يمكن أن يكون الأردن بديلاً عن حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. أي محاولة لفرض حلول خارج إطار الشرعية الدولية مرفوضة، لأنها تتناقض مع أسس العدالة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

الأردن.. التوأم التاريخي لفلسطين

العلاقة بين الأردن وفلسطين ليست علاقة عابرة، ولا هي مجرد مواقف سياسية تفرضها الظروف، بل هي علاقة أخوة تاريخية ضاربة في جذور الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك. لطالما كان الأردن السند الأقوى لفلسطين، يحمل قضيتها في كل المحافل الدولية، يدافع عنها في أروقة الأمم، ويقدم لها كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والإنساني.

لم تكن لاءات جلالة الملك عبدالله الثاني مجرد مواقف نظرية، بل كانت أفعالًا على الأرض، من حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، إلى الدفاع عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، إلى دعم صمودهم في وجه الاحتلال. كان الأردن وما زال حجر العثرة أمام كل المخططات التي تحاول الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، والعقبة التي لا يمكن تجاوزها في أي مشروع يهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية.

ثبات رغم الضغوط

على مدى العقود الماضية، تعرض الأردن لضغوط سياسية واقتصادية هائلة، محاولات متكررة لثنيه عن موقفه، عروض مغرية، وتهديدات مبطنة، لكن شيئًا لم يتغير. بقيت لاءات جلالة الملك عبدالله الثاني خطًا أحمر لم تستطع المتغيرات أن تمحوه، ولم تفلح الضغوط في زعزعته.

السياسة الأردنية لم تكن يومًا سياسة انفعال أو رد فعل، بل كانت دائمًا قائمة على رؤية استراتيجية تدرك أبعاد كل خطوة، وتحسب حسابات المستقبل قبل الحاضر. كان جلالة الملك عبدالله الثاني مدركًا لحجم التحديات، لكنه ظل متمسكًا بثوابته، لأن القضية الفلسطينية ليست مجرد ورقة تفاوضية، بل هي حق لا يمكن التفريط فيه، ومسؤولية لا يمكن التهرب منها.

دور الأردن في دعم فلسطين

لم يكتف الأردن بالرفض، بل كان دائمًا في مقدمة الدول الداعمة لفلسطين، سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا. لم تغب فلسطين يومًا عن خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني، ولم يتأخر الأردن لحظة عن نصرة القدس، وعن دعم الفلسطينيين في كل محنة يمرون بها.

على الصعيد السياسي، لم يترك الأردن ساحة دولية إلا وحمل فيها صوت فلسطين، مطالبًا بحقوقها، رافضًا لكل الحلول المجحفة، متمسكًا بقرارات الشرعية الدولية التي تضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

على الصعيد الاقتصادي، لم يتوقف الأردن عن تقديم كل أشكال الدعم للفلسطينيين، رغم ظروفه الصعبة، لأن القضية ليست مجرد موقف سياسي، بل هي التزام أخلاقي وإنساني.

على الصعيد الإنساني، فتح الأردن أبوابه للأشقاء الفلسطينيين، منحهم كل الحقوق، عاملهم كأبناء الوطن، لكنه في الوقت ذاته لم يسمح بأن يكون ذلك مدخلًا لتصفية القضية أو ذريعة لتغييب حق العودة.

ختامًا.. ثوابت لا تتغير

خمسة وعشرون عامًا، والموقف الأردني ثابت، لم تهزه العواصف، ولم تحرفه الضغوط، ولم تغره الإغراءات. ثلاث لاءات كانت وما زالت وستظل أساس السياسة الأردنية تجاه فلسطين، لأن الحق لا يسقط بالتقادم، ولأن العدل لا يكون إلا بإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.

جلالة الملك عبدالله الثاني لم يكن يومًا زعيمًا يتغير بتغير الظروف، بل كان قائدًا متمسكًا بمبادئه، مؤمنًا بعدالة القضية الفلسطينية، مدافعًا عن حقوقها، رافضًا لأي حل ينتقص من حق الفلسطينيين في أرضهم ووجودهم وهويتهم.

هذا هو الأردن.. شقيق فلسطين وتوأمها التاريخي.. السد الذي تتحطم عليه كل المؤامرات.. والصوت الذي لا يصمت حين يكون الحديث عن الحق والعدالة والكرامة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد