حادثة حرق الطالب .. بين ثغرات المنظومة وواجبات الرقابة

mainThumb

05-03-2025 04:21 PM

ما إنْ تسرب نبأُ الحادث الأليم الذي تعرَّض له الطالب محمد الحميدي داخل مدرسة خالد بن الوليد في الرصيفة، حتى اشتعلت ساحاتُ النقاش العامّ بلهيب الأسئلة المُقلقة: أين تكمنُ جذورُ الإخفاق؟ وهل تُدار المدارسُ بِمثابة حاضناتٍ للعلم أم كساحاتٍ مُهملةٍ تُهدِّدُ براعم الأجيال؟ لقد جاءت زيارةُ وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة إلى مستشفى البشير، واجتماعُه بوالدة الطالب، كخطوةٍ رمزيةٍ تُحاول ترميمَ ثقةٍ مُتصدعة، لكنَّها تظلُّ غيضًا من فيضِ أزمةٍ تربوية تتفاقمُ في صمت.

إنَّ تأكيدَ الوزير على "عدم التهاون في تطبيق الأنظمة" يفتحُ بابَ التحليلِ أمام مُفارقةٍ غريبة: فكيف تُهملُ مؤسسةٌ تربويةٌ إجراءاتِ السلامة رغم وُجود تشريعاتٍ واضحة؟ أليس في ذلك دليلٌ على أنَّ النصوصَ القانونيةَ تتحوَّلُ إلى حبرٍ على ورقٍ حين تغيبُ آلياتُ التنفيذ الصارمة، وتتهاوى ثقافةُ المساءلة أمام محاباة الأسماء أو التستر على الإهمال؟ إنَّ تشكيلَ لجان التحقيق بعد كل حادثٍ يشبهُ إطفاءَ النار بعد احتراقِ الأخضر واليابس، بينما الجذوةُ الخفيّةُ للتقصيرِ لا تزالُ تُشعلُ الأزمات تلو الأزمات.

لا يُخفى أنَّ اتصالَ الوزير بمدير إدارة حماية الأسرة والأحداث، وتوجيهَه بملاحقة المُقصِّرين، يُحاول أن يُرسّخَ صورةَ "الحكومة الحازمة"، لكنَّ التاريخَ الإداريَّ يشهدُ أنَّ العقوباتِ الفرديةَ وحدها لا تكفي لسدِّ ثغراتِ المنظومة. فالحلُّ الجذريُّ يكمُنُ في مراجعةِ فلسفةِ الإشراف التربويّ برُمَّتها؛ فهل تُدرَّب الكوادرُ المدرسيةُ على التعامل مع الطوارئ؟ وهل تُجرى عملياتُ تفتيشٍ مُفاجئةٍ لقياس التزام المدارس بالاشتراطات الأمنية؟ أم أنَّ الرقابةَ شكليةٌ تُكتفى فيها بتقاريرَ مكتوبةٍ لا تعكسُ الواقعَ المُعاش؟

إنَّ الحادثةَ، رغم ألمها، تمنحُ فرصةً ذهبيةً لمراجعةِ العُقد الخفيَّة في جسدِ المنظومة التربوية. فالمسؤوليةُ ليست مُلقاةً على عاتق المدرسة وحدها، بل تشملُ أولياء الأمور الذين قد يغفلون عن متابعة بيئة أبنائهم التعليمية، ووسائل الإعلام التي تُسارعُ إلى تسليط الضوء على الأزمات دون الغوص في جذورها، والمجتمعَ الذي يتعامل مع "ثقافة السلامة" كرفاهيةٍ لا ضرورة. إنَّ تحويلَ المدارس إلى فضاءاتٍ آمنةٍ يتطلَّبُ عقدَ صفقةٍ وطنيةٍ تُحوِّلُ الشعاراتِ إلى خطط عمل، والوعودَ إلى إنجازاتٍ ملموسة، فالأبناءُ ليسوا أرقامًا في جداولَ إحصائية، بل هم رأس المال الحقيقيُّ لمستقبلِ الأمة.

إنَّ دمعةَ والدة الطالب المُصاب يجب أن تتحوَّل إلى صرخةٍ توقظُ الضمائرَ من سُباتها. فما قيمةُ المناهج المُطوَّرة، أو المباني المُكلِفة، إذا لم تُؤمّنْ حمايةُ الطلبة من الأذى؟ لقد حان الوقتُ لِكي تُدركَ الجهاتُ المعنيةُ أنَّ الثقةَ العامةَ هشَّةٌ كالزجاج، وأنَّ كلَّ حادثٍ جديدٍ يُعمّقُ شرخًا قد لا تُجدي معه لَطْماتُ التصريحات الإعلامية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد