قمة عربية لأجل فلسطين

mainThumb

05-03-2025 03:08 AM

منذ بداية الهدنة في غزة لا ينتظر الشارع العربي (على اتساعه وتنوعه) شيئا بقدر قمة عربية «حلم» (لا لنوم القادة العرب بها، بل بتحقيق آمال شعوبهم). تهديدات الرئيس الأمريكي المحافظ والتغيرات الجوهرية في منطقة الشرق الأوسط من سقوط نظام الأسد، وانحسار قوة إيران وحلفائها، ثم حرب الإبادة في غزة، التي جرت فصولها أمام «شهود ما شافوش حاجة»، أسباب كافية ليختزل الاجتماع طموحا جماهيريا في «قطيعة» لمخرجاته مع ما سبق من قمم.

قمة ومنسحبون

لا مشقة الصيام، ولا العروض التلفزيونية الموسمية الكثيرة تمكنت من منع رواد الـ»سوشيال ميديا» عن التفاعل مع أخبار قمة القاهرة، خصوصا بعد إعلان وكالة الأنباء الجزائرية نقلا عمن أسمتهم بالمصادر المقربة من رئيس البلاد، عبد المجيد تبون، مقاطعته لهذه القمة، أعقبها إعلان مشابه من الرئيس التونسي قيس السعيد، وتلاه آخر من أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي سينوب عنه ولي عهده، في حين ينوب وزيرا خارجية تونس والجزائر عن رئيسيهما.
قرار الغياب عن القمة التي ستتضح فيها ملامح الشرق الأوسط الجديد، لا على خرائط الخارجية الأمريكية وحساباتها الاستراتيجية، بل من بلدان المنطقة ذاتها، بعد «عمليات التجميل الجذرية» كانت لتمر في هدوء، وتفتح باب التأويل لخبراء البلاتوهات التلفزية، كما «المؤثرين الجدد» لو لم تمنحها وكالة الأنباء الجزائرية بعدا آخر (تمتهن فن «البعد الآخر» بنصوصها وإعلاناتها منذ فترة) وهي تنقل امتعاض الرجل الأول في البلاد من «استفراد» بعض القوى العربية بصنع القرار حول «غزة»، في مرحلة حاسمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، وفي ضوء الدور الذي تلعبه الجزائر في هيئة الأمم المتحدة، في خطاب يحد خيارات القراءة المسموحة، عكس الإعلان التونسي والكويتي، اللذين جاءا أكثر هدوءا ودبلوماسية.
في الجزائر، كما تونس، بل في مصر أيضا ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبري تراجع الرئيسين الجزائري والتونسي تحديدا عن الحضور في تفاعل نادر مع اجتماع عربي رسمي. وجد الكثر في الانسحاب أمرا غير مفهوم ولا مرغوب، خصوصا أمام الرهانات التي تواجهها المنطقة كلها، وغزة تحديدا، عذر أقبح من ذنب، حضور كعدمه، وغيرها كانت أكثر التعليقات المناوئة ترددا بين رواد التواصل الاجتماعي، أكثر المساندين لموقف الرئيس الجزائري رددوا «هي قمة الدول المطبعة»، «نزع سلاح المقاومة خط أحمر»، «الجزائر لا تريد أن تكون شاهد زور»، «قمة تفوح منها رائحة الغدر»!
في تونس انقسم المتفاعلون بدورهم بين من وجد في «القمة أمرا محسوما سابقا»، «رد مناسب على الإقصاء»، «قرار صائب»، في حين تساءل الأكثر معارضة لقرار السعيد عن الأسباب وراء تنصل الرجل «زمن المواقف الكبرى»، «اتفق هو والرئيس الجزائري»، «أخذ الأوامر من النظام الجار».
تبون والسعيد، لن يكونا الزعيمين الغائبين الوحيدين، إلى جانب أمير الكويت، إذ يبدو أن الأمر سيتعذر أيضا على ملك المغرب، الذي يمر بفترة إعادة تأهيل صحي بعد جراحة خضع لها، وكذلك ممثلو بلدان عربية تعيش صراعات كبيرة كالسودان واليمن، لكن انشغال الكثير من وسائل الإعلام العربية الكبيرة بتغطية موقفي الجزائر وتونس أدخل الجماهير المصرية الافتراضية على خط المواجهة، سواء بالتعليقات العفوية، أو اللجان المنظمة التي سخرت من موقف الجزائر التي لم تكف عن المناداة بفتح الحدود مع فلسطين، كما طرح كثر التساؤل حول ما قدمته فعلا للشعب الفلسطيني.
كرر البعض تحميل مصر ما لا يطاق في الملف، في حين برر تيار استثناء بلدان المغرب الكبير من المشاورات حول القطاع الفلسطيني لثانوية مكانتها بالنسبة للأحداث هناك.

فوق الأرض.. وتحت الأرض

لا تكاد تنطفئ جذوة جدال حتى تشتعل أخرى في ليبيا. انشغل رواد مواقع التواصل في البلاد في الأسبوع الأخير بصور وأخبار اشتعال نيران غير مبرر في عدة مناطق وقرى ليبية، ما أثار فزع الأهالي، وفتح الباب أمام التأويلات الكثيرة. فيديوهات وصور لألسنة لهب في بيوت، ومؤسسات في أماكن متفرقة، جعلت الليبيين يتفاعلون خصوصا في غياب تفسير قاطع، رغم التدخلات الكثيفة للجهات الرسمية من قوى الدفاع المدني وغيرها لضمان سلامة المواطنين. «إنه غاز طبيعي» كانت إحدى التأويلات الأكثر عقلانية، التي صدرت عن بعض الجهات السيادية التي قدمته كفرضية مقبولة، خصوصا وأن البلد معروف بثراء باطنه، تفسير لم يقنع كثرا «لو تتوقف النيران بداية رمضان، اعلموا أنه الجن ولا غيره» أصر فريق، «ليبيا مقبرة الجان»، «بل إنه النووي الموجه» شطحت العقول الأكثر مؤامراتية، قابلها تشكيك من تيار كامل من الليبيين في حقيقة الروايات والأخبار الآتية من مدينة الأصابعة.
لم تكد حكايا النيران تخفت حتى ضجت وسائل التواصل في البلاد بخير طعن البعض في صحته، في حين قرأه البعض بحذر. إذ نشرت إحدى المؤسسات الأمريكية المتخصصة في التفكير والإرشاد الاستراتيجيين «أمريكان ثينكر» تقريرا أشار لقبول رئيس الوزراء الليبي لمقترح مبدئي لتهجير سكان غزة نحو ليبيا، خبر انتشر ساعات قبل انطلاق مجريات القمة العربية غير الاعتيادية في مصر والتي يتوقع أن تقدم اقتراحات حول مصير «غزة».
سارع مجلس الوزراء لنفيه رسميا، لكن لم يبد الأمر كافيا ليحد التفاعل بين الليبيين على مواقع التواصل الاجتماعي. «إلى أين وصلت مسألة توطين الأفارقة؟» علق البعض، «ليطلع ويقسم أنه لم يفعل»، «لا نريد أن يأتينا وافدون، ليلتزم كل فرد مكانه»، «غزاويون، مع كل الملل التي تضمها ليبيا؟»، «الأمر يتجاوز الإشاعة، مستعدون للرهان».

كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد