سياسة ترمب بين زلينسكي ونتنياهو

mainThumb

02-03-2025 05:34 PM

يحتار المراقب العادي في تفسير مواقف "ترمب" وتصريحاته بل تحركاته، فيما يخص سياسته في أوكرانيا وفي فلسطين والصراع المحتدم فيهما، فتراه أكثر جدية ووضوحاً وصراحة في موقفه تجاه أوكرانيا، حتى أنه كشف كل أوراق اللعبة الدولية، وأظهر مخططاته وأطماعه فيها، وحدد خصومه، الذين كانت تعتبرهم الشعوب حلفاء أميركا وشركائها في غنائمها الاستعمارية، فأظهر حقيقة علاقة أميركا المضطربة مع الأوروبيين، وأماط اللثام عن عدوه الحقيقي الذي أحبط كل تحركات أميركا للسيطرة على موارد بلاد العرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا، أحبطها لأنه لا يريد أن يشاركه أحد في فريسته، فعدو أميركا هو منافسه الاستعماري وليس الصين أو روسيا كمنافس تجاري أو فكري، وإنما أعداؤه هم أجداده الأوروبيون الذين سرقوا قارة أميركا من أهلها، والذين أورثوه الإجرام والصفاقة والسطو على مقدرات الأمم وأراضيهم وتجاهل حقوقهم ومعاناتهم.

أما إذا تابعنا تصريحات "ترمب" فيما يخص الصراع في فلسطين وبالأخص حرب غزة سنجد أنه يخفي موقفاً يراوغ في إظهاره، فيهرب من مواجهته إلى السخرية تارة وإلى الزعبرة المكشوفة تارة أخرى، فلا يُقِر لنتنياهو بالسيطرة على غزة ولا يواجه حلفاءه العرب والأتراك بما واجه به الأوروبيين، فيقطع أملهم من مساعدته ليختاروا مساراً آخر يحفظ لهم ماء وجوههم والبديل الأوروبي قائم ومستعد وحاول إظهار دعمه في أثناء الحرب على غزة، لكن الصمت التركي وحكومة سوريا الجديدة يشي بأن ترمب يتصرف ك"أرجوز" ليلهي الأوروبيين والصهاينة عن موقفه الحقيقي الذي يسير نحو حل الدولتين، وانهاء الصراع ودعم الاقتصاد الفلسطيني والأهم عدم دفع مبالغ للكيان ليستمر في وحشيته ويترك خزعبلاته التوراتية، واضغاث أحلامه التوسعية على حساب شعوب لن ترضخ لأمانيه المستحيلة، التي ترفضها أميركا الدولة، وترفضها الشعوب الحرة في أميركا وأوروبا وأحرار العالم، مع أن ما وصلوا اليه من احتلال فلسطين كان خطة بريطانية فرنسية، في غفلة من شعوب الأرض، أما الآن لا يمكنهم تحقيق ما حققوه والعالم أجمع يشهد ما يحصل لحظة بلحظة.
الكيان كان مشروعاً أوروبياً، حاولت أميركا تجييره لصالحها، لكنها اكتشفت أنه مشروع ينافسها يصطف مع الأوروبيين، والأفضل تحجيمه، ولن تقبل أن يكون له إرادة مستقلة تجعله يتمدد ويسيطر على موارد محيطه، بقوة وأموال أميركا، ثم لا تستطيع على الأقل استرداد ما أنفقته فيه، في وقت أنها تكاشف أوكرانيا في استرداد ما أنفقته عليها أثناء حربها مع روسيا، والذي يجعل ترمب يكاشف زلنسكي ولا يكاشف نتنياهو، هو أنه يعرف أنه لو تمادى في دعم الكيان فلن يحصل منه على شيء، لأن دولة الكيان مهما تماهت مع أميركا إلا أنها تبقى أوروبية الهوى، وما يحصل من دعم لها من اللوبي الصهيوني في أميركا، هو هيمنة منه على قرار الدولة الأميركية، وهو ما تحاربه الآن إدارة ترمب وتحاول تحييده فترة من الزمن حتى يحين قطافه، وقد يأتي وقت يتخلى "الآي باك" عن هذا المشروع المكلف مادياً ومعنوياً، وخاصة أنه جعل صورة اليهودي في الغرب سيئة وقميئة يشمئز منها اليهود الغربيين أنفسهم، وفي النهاية ما يدفعه "الآي باك" لمسؤولين في الحكومة الأميركية، وفي الكونجرس، سيُجرّم في إدارة ترمب، وحركة الذبيح التي تمارسها إسرائيل اليوم ستهدأ غداً وستعود وستوقف الحرب كما يريد ترمب، ولن يستطيع النتن فعل شيء، فهو لا يستطيع الوقوف بوجه "ترمب" مثل ما فعل "زلينسكي"، لأنه "نتنياهو" خسر الأوروبيين بارتمائه في أحضان أميركا.
التوتر الأخير بين ترمب وزلنسكي سيجعلانه يعيد حساباته، فموقف أميركا وإدارة "ترمب" من القضايا العالقة في فلسطين وأوكرانيا واحدة، وإن تباينت أساليب ترمب في التعامل معهما، وقمع نتنياهو وزمرته الوقحة قادم، لأن "ترمب" لا يريد حرباً، ولا يريد أن يظل الكيان حجر عثرة في طريق النفوذ الأميركي ومنعطفاً يستخدمه الأوروبيون وأعداء ومنافسو أميركا لعرقلتها في محاولتها للهيمنة على العالم..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد