خريف نيسان

mainThumb

01-03-2025 01:16 AM

كان فرحا لأنّه على آخر درجات سُلم الابتدائية، والولوج إلى المرحلة الإعدادية والانتقال إلى مدرسة جديدة ومجتمع جديد، وبدأ فصل الربيع لكنه كان خريفا ففي منتصف نيسان 1980، حيث الأجواء الربيعية ولمة العائلة وجمعتها يوم الجمعة، وتبادل الأحاديث، والاستماع إلى قصص الوالد الممتعة قُبيل صلاة العشاء، قامت الأم وتوضأت وانتظرت العشاء فصّلت على سجادتها زرقاء اللّون، ونادت على بنتها الكُبرى: أحضري لقن العجين وضعي فيه الطحين، وأحضري الخميرة وسخني الماء كي أعجن، قامت البنت وجهّزت المطلوب والأمّ على سجادتها لم تفارقها، عجنت كي تخبز في الصّباح الباكر ومع صياح الديك كما اعتادتْ، وذهبتُ أنا وإخوتي الصغار للنوم في الغرفة المجاورة وأمّنا على قعدتها تعجن كما تفعل كلّ يوم بعد العشاء، في صباح اليوم التالي صحوتُ على أصوات غير مفهومة وصياح وبُكاء، ورأيتُ شبابا أعرفهم يُفرغون غرفة الضيوف من الكنب، ويُحضرون عددا من الكراسي، وأبي يتلثّم بالشماغ، وعيناه تقفزُ منهما الدمعات الّتي يحاول إخفاءها بمسحها بكمّه، ولكنّها تغلبه فيبكي، وأقاربي يبكون، والنساء يلطمن وأنا كالأطرش في الزّفة، اقترب أحدهم وقال لي: يا عمّ أمّك وقعت ورجلها انكسرت، وهي في المستشفى وبعد يومين أو ثلاثة تخرج، اقترب والدي فورا وضمّني وهو يبكي وقال: أمّك ماتت، لا أدري بمَ شعرتُ بالضبط، لكنّي بدأت بالبكاء، ونظرت إلى أُخْتيَ التوأم اللتين لم يتجاوز عمرهما العشرة أشهر، وإذا بهما محملوتين بين أيادي قريباتنا، انتهى ربيعنا حينها باكرا، وانتهي ربيع أمّنا التي فارقت الحياة قبل أن تُتم عقدها الرابع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد