تعديلات دستورية في السودان تمنح البرهان صلاحيات واسعة

mainThumb

25-02-2025 04:34 PM

السوسنة- عزَّز رئيس «مجلس السيادة» السوداني والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، سلطته بإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لعام 2019، ما منحه صلاحيات سيادية مطلقة. وجاء ذلك بعد ساعات من توقيع قوى سياسية وعسكرية، بينها «الدعم السريع»، على ميثاق سياسي في نيروبي يهدف إلى تأسيس سلطة موازية لحكومة بورتسودان.

ويرى خبراء في القانون الدستوري أن هذه التعديلات ليست سوى خطوات سياسية تهدف إلى تعزيز نفوذ الإسلاميين في المرحلة المقبلة، معتبرين أنها لا تمثل تعديلات دستورية حقيقية.

وشملت التعديلات منح البرهان سلطة تعيين رئيس الوزراء وإعفائه بناءً على توصية من السلطة التشريعية الانتقالية، إضافة إلى تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهراً، ما لم يتم التوصل إلى توافق سياسي أو إجراء انتخابات، ما يعني فعلياً بقاءه في السلطة لفترة أطول. وقد دخلت هذه التعديلات حيز التنفيذ بعد نشرها في الجريدة الرسمية ليل الأحد-الاثنين الماضي.

كما نصّت على تشكيل «مجلس السيادة» من 11 عضواً، 6 منهم تُعينهم القوات المسلحة السودانية، و3 ترشحهم الأطراف الموقعة على «اتفاق جوبا» للسلام، مع تمثيل المرأة وأقاليم السودان.

كما منحت رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، تعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات، وتعيين وإعفاء رئيس القضاء ونوابه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي، (الذي يُعينه البرهان)، ومن ضمن سلطاته تعيين وإعفاء المراجع العام وفق القانون.

وأيضاً، يرأس البرهان جميع القوات النظامية الأخرى، بالإضافة إلى تعيين وإعفاء مدير الشرطة وهيئة قيادة الشرطة بناءً على توصية من وزير الداخلية، وتعيين وإعفاء مدير المخابرات العامة ونوابه.

كما منحت الإجراءات رئيس «مجلس السيادة»، البرهان، وضع السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، وإعلان الحرب بناءً على توصية من «مجلس الأمن والدفاع»، بعد مصادقة السلطة التشريعية، وأيضاً من حقه إعلان حالة الطوارئ، بتوصية من مجلس الوزراء، على أن تصادق عليه السلطة التشريعية.

ونصّت الإجراءات على تكوين مجلس الوزراء من رئيس وزراء، وعدد من الوزراء من كفاءات وطنية مستقلة، لا يزيد عددهم على 26 وزيراً، يُعينهم رئيس الوزراء بعد المصادقة عليهم من «مجلس السيادة»، عدا وزراء أطراف العملية السلمية، أي وزيري الدفاع والداخلية اللذين يجري ترشيحهما بواسطة قيادة القوات النظامية مراعاة لتمثيل ولايات السودان.
وألغت التعديلات المادة 16 في «الوثيقة الدستورية» المعنية بالتحقيق في جريمة فضّ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم، التي قتل وجرح فيها المئات من المعتصمين، واستبدلت بها المادة 8، التي تقول «بالعمل على إنهاء الحروب، وتقديم كل من ارتكب جرائم في حق الشعب السوداني للعدالة».

ومن أبرز التعديلات، دمج أي قوات مسلحة وعسكرية أو شبه عسكرية داخل القوات النظامية قبل 6 أشهر من انقضاء أجل الفترة الانتقالية، على أن تتحول الحركات المسلحة التي تُقاتل حالياً إلى جانب الجيش، لكيانات سياسية.

وأوضح القانوني معتز المدني، أن الوثيقة الدستورية لعام 2019، نتاج لاتفاق بين «المجلس العسكري»، الذي كان يضم الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»من جهة، وتحالف «قوى الحرية والتغيير» من جهة أخرى، وبعد انقلاب الجيش على الحكومة المدنية الانتقالية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أصبحت الوثيقة بلا قيمة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الغرض من أي اتفاق بين طرفين هو إحداث أثر قانوني أو سياسي محدد، لكن ذلك انتفى بعد الانقلاب، وجرى إبعاد الطرف الثاني، أي «قوى التغيير».

وأضاف: «من الواضح أن هدف البرهان من هذه التعديلات هو الهيمنة على السلطة لتشكيل حكومة لمناهضة الحكومة الموازية لمجموعة نيروبي، إلا أنها تكشف عن حالة ارتباك حادة تعيشها حكومة بورتسودان».

وعدّ التعديلات التي تمنح «البرهان حق تعيين رئيس الوزراء وإعفائه والمصادقة على تعيين بعض الوزراء، تدخلاً سافراً في الجهاز التنفيذي، كما أنها تشير إلى نيات لتمكين حزب النظام المعزول، والحركة الإسلامية، وتتويج نفسه صاحب سلطة فردية مطلقة».

وقال الخبير في القانون الدستوري الدكتور سامي عبد الحليم سعيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن الفريق البرهان، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، كان في مقدروه إصدار مراسيم دستورية تلبي الشروط القانونية التي تتطلبها ظروف قيادته حكومة حرب.

وأضاف: «إن المراسيم في تلك الأوضاع تكون مرنة بطبيعتها، وقابلة للتعديل وفق معطيات الحال، وهو نهج راسخ في ظروف الحرب الاستثنائية المشابهة». وأشار إلى «أن الرئيس المخلوع عمر البشير، سبق أن استخدم المراسيم الدستورية لمدة تقارب 10 سنوات في ظروف مماثلة، وكان على البرهان اتباع النهج نفسه دون الحاجة إلى قواعد دستورية، إن أوفت بالغرض اليوم، فقد لا تفي به في الغد».


وبشأن السلطة المخولة للبرهان بصفته قائد الجيش، أوضح عبد الحليم «أن من حقه إصدار مراسيم مؤقتة، لكن إصدار الدستور يجب أن يكون جزءاً من عملية سياسية مصممة بهدف إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار السياسي». وقال: «في ظني أن هذه التعديلات الدستورية كانت متعجلة، ولا يوجد مبرر واضح لها».

ومن جهة ثانية، رأى قانوني دستوري تحدث لـ«الشرق الأوسط» -لكنه طلب عدم ذكر اسمه- أن التعديلات على الوثيقة الدستورية «توجه سياسي لشراكة بين الجيش والإسلاميين»، ودلَّ على ذلك في نص: «أن تكون مصادر التشريع مبادئ الدين الإسلامي والمعتقدات الدينية الأخرى والتوافق الشعبي، وقيم وأعراف وتقاليد الشعب السوداني».

وقال: «إن البرهان أراد من إيراد هذا النص أن يُعلن للإسلاميين أنه معهم في تبني شعارات دولة الشريعة، وأن ما كان يُصرح به ضدهم في السابق هو مجرد استهلاك سياسي».

وعدّ القانوني هذه المواقف «تطرفاً في مواجهة الحملة العميقة للحكومة الموازية التي ينتظر إعلانها في مناطق سيطرة (الدعم السريع)».

وأضاف: «إن البرهان بهذه التعديلات يعلن الهجرة بالدستور قيمياً من الدولة المدنية إلى دولة الشريعة الإسلامية لاسترضاء حلفائه من القوى الإسلامية».

بدوره قال المحامي، حاتم إلياس، إن هذه التعديلات «لا تمت بصلة للقانون والتشريع، وفي الواقع أنشئت وثيقة دستورية جديدة على أنقاض السابقة، وقصد من هذه التعديلات الإيحاء بأن الوثيقة لا تزال مستمرة ويعمل بها».

وأضاف: «أن كلمة تعديل لها محتوى قانوني وتشريعي تُعبر عنه آليات قانونية ودستورية محددة، وقد غابت منذ انقلاب الجيش على الحكم المدني، وإبعاد الأطراف المؤسسين لهذه الوثيقة بشرعية الثورة، وتعطيل العمل بها». وأوضح: «أن التعديل يتم على أمر قائم ونافذ، وليس على ترتيبات دستورية وقانونية تم تعطيلها».

وقال: «نحن أمام شكل قانوني محكوم بقوة الأمر الواقع لسلطة بورتسودان، والمقصود من هذه الإجراءات تكريس السلطة بالكامل في يد البرهان وأنصار المؤتمر الوطني».

اقرأ المزيد عن: 






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد