سوريا والأردن .. لقاء الضرورة والمصير المشترك

mainThumb

25-02-2025 01:28 PM

لا يمكن للأردن أن يكون على الحياد حين يتعلق الأمر بسوريا، تمامًا كما لا يمكن لسوريا أن تتجاهل الأردن، فالعلاقة بين البلدين ليست مجرد علاقات دبلوماسية عابرة، بل هي روابط ضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك. واليوم، إذ نرحب بالقائد السوري أحمد الشرع في عمان، فإننا لا نستقبل مجرد زائر رسمي، بل نفتح باباً جديداً لإعادة رسم ملامح التعاون بين بلدين جمعتهما الأخوة، وفرقتهما ظروف قاسية.

لقد دفع الشعب السوري ثمنًا باهظًا في سبيل حريته وكرامته، وتحمل الأردن جزءًا كبيرًا من هذا العبء، حين فتح حدوده وقلوبه لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين وجدوا في الأردن ملاذًا آمناً، رغم التحديات الاقتصادية والأمنية التي رافقت هذا الاحتضان الإنساني، واليوم، فإن ملف اللاجئين يجب أن يكون في صدارة القضايا التي تُطرح في هذا اللقاء، على قاعدة الاحترام المتبادل والبحث عن حلول عادلة تحفظ كرامة اللاجئين، دون أن تشكل عبئًا دائمًا على الأردن الذي قدّم الكثير، ولم يعد يحتمل المزيد.

لكن العلاقة بين عمان ودمشق لا يجب أن تُختزل في ملف اللاجئين فقط، فهناك قضايا جوهرية أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها حقوق الأردن المائية، التي تراجعت بشكل خطير بسبب التغيرات المناخية والسياسات المائية غير المتوازنة في المنطقة. يجب أن يكون هناك حوار واضح وشفاف حول هذا الملف، يضمن للأردن نصيبه العادل من المياه، بعيدًا عن أي تلاعب أو مساومة، لأن المياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل هي قضية أمن قومي واستقرار داخلي.

ومن القضايا التي لا يمكن تجاهلها أيضاً، دور الأردن في المصالحة الوطنية السورية، فعمّان لم تكن يومًا طرفًا في الأزمة، لكنها كانت وستظل حريصة على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وعلى عودتها إلى دورها الطبيعي عربيًا وإقليميًا. إن الأردن بما يمتلكه من خبرة سياسية وعلاقات إقليمية، يمكن أن يكون وسيطًا نزيهًا في تحقيق المصالحة بين مختلف الأطراف السورية، بما يضمن استعادة الاستقرار، وتهيئة الأجواء لإعادة الإعمار، التي لن تكون مسؤولية سوريا وحدها، بل مسؤولية كل من آمن بعروبة هذا البلد وحق شعبه في العيش الكريم.

أما الملف الأمني، فهو أكثر تعقيدًا وحساسية، لكنه لا يحتمل التأجيل أو المجاملات. الحدود بين الأردن وسوريا كانت لسنوات طويلة مصدر قلق بسبب التهريب، وخاصة المخدرات التي أصبحت خطرًا وجوديًا يهدد أمن الأردن وشبابه. لا يمكن لأي تقارب حقيقي أن يتم دون معالجة جذرية لهذه القضية، وإيجاد آليات فعالة لضبط الحدود ومنع تحويل سوريا إلى نقطة انطلاق لعصابات التهريب المنظمة. هذه ليست قضية أردنية فقط، بل قضية إقليمية يجب التعامل معها بحزم ومسؤولية مشتركة.

إن المسافة بين عمان ودمشق أقرب من المسافة بين دمشق وإسطنبول، بل أقرب من المسافة بين دمشق وحلب أو بين عمان والعقبة، وهذا ليس مجرد حساب بالكيلومترات، بل هو تعبير عن حقيقة سياسية واجتماعية وثقافية راسخة.

الأردن وسوريا يشتركان في أكثر من مجرد حدود، فهما امتداد طبيعي لبعضهما البعض، والرهان على عزلهما عن بعض هو رهان خاسر، لأنه يناقض منطق التاريخ والجغرافيا.

ولا يمكن أن يمر هذا اللقاء دون استذكار القضية المركزية التي جمعت الأردن وسوريا عبر التاريخ، وهي القضية الفلسطينيةن فقد امتزجت دماء الأردنيين والسوريين دفاعًا عن القدس، وخاضوا معارك العروبة معًا في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ووقفوا صفًا واحدًا في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. واليوم، لا يمكن أن يكون أي تقارب بين البلدين بمعزل عن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، ولا عن محاولات تصفية حقوق الشعب الفلسطيني عبر مشاريع سياسية مشبوهة تستهدف طمس هويته وحقه المشروع في دولته المستقلة.

اليوم، ونحن نفتح صفحة جديدة مع سوريا، فإننا نأمل أن تكون هذه الزيارة بوابة لمرحلة مختلفة، قوامها الحوار الصادق، والتعاون الحقيقي، والتفاهم القائم على المصالح المشتركة. إن القيادة الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، كانت دائمًا داعمة لسوريا وشعبها، إيمانًا بوحدة المصير وروابط الأخوة، واليوم نجدد هذا الالتزام، ليس من باب المجاملة الدبلوماسية، بل من منطلق الإيمان العميق بأن أمن سوريا واستقرارها هو جزء لا يتجزأ من أمن الأردن واستقراره.

أهلاً وسهلاً بالقائد السوري أحمد الشرع في وطنه الثاني، الأردن، أرض العروبة والمروءة، ورافعة القضايا القومية الكبرى.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد