جيل الإنترنت والتنشئة الاجتماعية

mainThumb

24-02-2025 10:23 PM

مع التطورات التكنولوجية المتسارعة ودخول الإنترنت والذكاء الاصطناعي إلى كل تفاصيل حياتنا، شهدت عملية التنشئة الاجتماعية تغيرات جذرية لم يشهدها أي عصر سابق. فلم يعد تأثير الأسرة والمدرسة والمؤسسات التقليدية على الأطفال والمراهقين كما كان في الماضي، حيث باتت منصات التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والمحتويات الرقمية المتنوعة تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل وعيهم وسلوكياتهم. هذا التحول الكبير يطرح العديد من التحديات على الأسر والمجتمع، مما يتطلب إعادة النظر في أساليب التربية وضبط تأثير التكنولوجيا على الأجيال الناشئة.
وتُعد التنشئة الاجتماعية عملية مستمرة تبدأ منذ ولادة الطفل، حيث يتعلم من خلالها القيم والمبادئ والسلوكيات الاجتماعية التي تحدد شخصيته المستقبلية. في السابق، كانت العائلة والمدرسة والمجتمع المحلي هم المصادر الأساسية لهذه التنشئة، لكن مع دخول التكنولوجيا إلى حياتنا، أصبحت مصادر التنشئة متنوعة وأكثر تعقيداً.
وتشير الدراسات إلى أن الأطفال والمراهقين يقضون ساعات طويلة يومياً أمام الشاشات، حيث أظهرت دراسة أجراها معهد "بيو" للأبحاث عام 2023 أن 67% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا يقضون أكثر من أربع ساعات يومياً على الإنترنت، بينما يقضي 29% منهم أكثر من سبع ساعات. هذا التفاعل المستمر مع المحتوى الرقمي له تأثيرات مباشرة على قيمهم وسلوكهم، حيث يتعرضون لمؤثرات خارجية قد لا تتوافق مع القيم الأسرية والتقاليد الاجتماعية.
ومن أبرز التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على التنشئة الاجتماعية:
1. تراجع دور الأسرة: بسبب انشغال الأطفال بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، تقل فرص الحوار العائلي والتفاعل الاجتماعي داخل المنزل.
2. تعزيز الفردية والانعزال: حيث يفضل الكثير من الأطفال والمراهقين قضاء وقتهم أمام الشاشات بدلاً من التفاعل مع أقرانهم وأفراد عائلاتهم.
3. التعرض لمحتويات غير ملائمة: مثل العنف، والتنمر الإلكتروني، والمعلومات المضللة، مما قد يؤثر على تكوين شخصية الطفل ومعتقداته.
4. ضعف المهارات الاجتماعية: إذ يواجه بعض الأطفال والمراهقين صعوبة في التواصل الفعلي والتفاعل الاجتماعي الحقيقي بسبب الاعتماد المفرط على الوسائل الرقمية.
وأصبحت الأسر تواجه تحديات عدة للحفاظ على التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا ومنع تأثيراتها السلبية على الأبناء، والتي من أبرزها:
• التعامل مع الإدمان الرقمي: حيث يجد الكثير من الآباء صعوبة في تقليل استخدام أبنائهم للأجهزة الإلكترونية.
• ضبط المحتوى الرقمي: مع تنوع المحتوى وسهولة الوصول إليه، يصبح من الصعب مراقبة كل ما يتعرض له الأبناء.
• غرس القيم في ظل تعدد المؤثرات: حيث يتأثر الأطفال بمصادر مختلفة، مما يجعل من الصعب توجيههم نحو القيم والمبادئ الأسرية التقليدية.
ولضمان تنشئة اجتماعية سليمة في عصر التكنولوجيا، يمكن للأسر اتباع بعض الاستراتيجيات العلمية المدعومة بالدراسات:
1. تحديد أوقات استخدام الأجهزة: توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأن لا يتجاوز استخدام الشاشات ساعتين يوميًا للأطفال فوق خمس سنوات، مع ضرورة تحديد أوقات خالية من التكنولوجيا، مثل وقت العشاء وقبل النوم.
2. تعزيز الحوار العائلي: أظهرت دراسات نفسية أن الأطفال الذين ينخرطون في حوارات منتظمة مع آبائهم يكونون أكثر قدرة على التمييز بين المحتوى المفيد والضار.
3. استخدام برامج المراقبة الأبوية: تساعد هذه البرامج في الحد من تعرض الأطفال للمحتويات غير الملائمة وضمان بيئة رقمية آمنة.
4. تعزيز الأنشطة البديلة: من المهم تشجيع الأبناء على ممارسة الرياضة، والهوايات، والأنشطة الاجتماعية الواقعية لتقليل الاعتماد على الشاشات.
5. تنمية الوعي الرقمي: يجب تعليم الأطفال كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول، والتمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة، والتعامل مع التنمر الإلكتروني.
ختاماً لم يعد من الممكن إنكار أن التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولها فوائد كبيرة في التعليم والتواصل وتوسيع آفاق المعرفة. ومع ذلك، فإن تأثيرها على التنشئة الاجتماعية يتطلب وعياً وتدخلاً من قبل الأسر والمجتمع لضمان تربية جيل متوازن قادر على التفاعل مع التكنولوجيا دون أن يفقد قيمه وهويته. إن نجاح الأسر في التعامل مع هذه التحديات يكمن في تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على المبادئ والقيم التي تضمن مستقبلاً مستقراً وسليماً للأبناء



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد