بين الحديد والبلاستيك: أمان أم تكلفة

mainThumb
أسطوانات الغاز البلاستيكية

24-02-2025 02:06 AM

في خضم التوجه العالمي نحو تحديث بنى الطاقة وتحسين معايير السلامة، يبرز النقاش في الأردن حول إدخال أسطوانات الغاز البلاستيكية كخيار جديد إلى جانب الأسطوانات الحديدية التقليدية. يأتي هذا التحرك في إطار جهود وزارة الطاقة وهيئة تنظيم قطاع الطاقة لتعزيز جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وفقًا لتأكيدات وزير الطاقة صالح الخرابشة، الذي أشار إلى أن التحول نحو الأسطوانات البلاستيكية ليس إلزاميًا، بل يهدف إلى توسيع خيارات المستهلكين، مع الحفاظ على معايير أمان صارمة عبر اختبارات متخصصة تجريها مؤسسة المواصفات والمقاييس.
لا يخلو هذا التوجه من تساؤلات نيابية واجتماعية، إذ طرح النائب عطاالله الحنيطي مخاوفًا حول مصير ملايين الأسطوانات الحديدية التي استثمر فيها الأردنيون على مدى عقود، مُعبِّرًا عن قلقه بشأن الجدوى الاقتصادية لاستبدالها، ومدى جاهزية البنية التحتية المنزلية لتخزين الأسطوانات البلاستيكية التي تتطلب – وفق بعض المواصفات – ظروفًا خاصة كالتخزين في أماكن مفتوحة وبعيدة عن الحرارة. كما أثارت تساؤلاته شبهات حول شركة "هيل كورت"، وطبيعة اتفاقيتها مع شريك ألماني لتصنيع الأسطوانات محليًا، مُطالبًا بالشفافية حول ملكيتها ورأس مالها، في إشارة إلى أهمية ضمان نزاهة العمليات الاستثمارية في قطاع حيوي كالطاقة.
من جهته، دافع نقيب المحروقات نهار سعيدات عن الإجراءات الرقابية الصارمة التي تخضع لها أي منتجات جديدة، مؤكدًا أن اعتماد الأسطوانات البلاستيكية – إن حدث – سيكون بعد اختبارات دقيقة تتناسب مع المعايير المحلية والدولية، معتبرًا أن تجارب دول مثل السعودية، التي تستخدم هذا النوع منذ سنوات، لا يمكن تعميمها دون مراعاة الفروقات البيئية والفنية بين الدول. كما نفى سعيدات صحة ما يُتداول عن فشل تجربة الأسطوانات البلاستيكية في السعودية، محذرًا من انسياق الرأي العام وراء الشائعات التي تفتقر إلى أساس علمي.
في هذا السياق، تبرز إشكالية التوفيق بين التحديث التكنولوجي والحفاظ على الاستثمارات القائمة. فمن ناحية، تُظهر الجهات الرسمية حرصًا على مواكبة التطورات العالمية في مجال السلامة، مثل خفة الوزن ومقاومة الانفجار التي تتميز بها الأسطوانات البلاستيكية، بينما يُذكِّر الجانب النيابي بثقل التكلفة الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على إهمال البنية التحتية الحالية، خاصة مع وجود أكثر من 8 ملايين أسطوانة حديدية مُوزعة على الأسر.
لا ينفصل هذا النقاش عن السياق التنظيمي الأوسع، حيث أشاد سعيدات بتقييد هيئة تنظيم الطاقة لأنشطة التخزين والنقل بجهات مرخصة، ما يحفظ حقوق العاملين في القطاع، ويحد من توسع الاستثمار في هذا المجال على نشاطي التعبئة والاستيراد فقط. هذا التأكيد يلمح إلى سعي النقابة لحماية مصالح العاملين في ظل تحولات قد تؤثر على سلسلة القيمة الحالية، بينما تُظهر الهيئات الرقابية مرونة في التعامل مع التغييرات المحتملة، شريطة استيفائها المعايير الفنية.
تُلقي هذه النقاشات الضوء على التحديات المزدوجة التي تواجهها الحكومات في إدخال تقنيات جديدة: ضمان سلامة المواطنين وكفاءة الخدمات من جهة، وحماية الاستثمارات السابقة وثقة الجمهور من جهة أخرى. كما تبرز أهمية الشفافية في التعامل مع الشراكات الاستثمارية، خاصة عندما تتقاطع المصالح الاقتصادية مع القرارات الفنية، مما يستدعي تعزيز آليات المساءلة ووضوح المعلومات.
ويُعيد الجدل حول أسطوانات الغاز البلاستيكية التأكيد على أن التحديث التقني ليس مسارًا تقنيًا فحسب، بل عملية معقدة تتطلب موازنة دقيقة بين الابتكار وتراكمات الماضي، وبين متطلبات السلامة وواقع البنى التحتية والاقتصادية، مع ضرورة بناء حوار وطني قائم على البيانات الدقيقة، بعيدًا عن التضليل أو التهوين.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد