الطائفية لا تبني دولاً

mainThumb

23-02-2025 01:32 PM

نشأت الطائفية في بيئة غير صحية، من حيث أنها بنيت على اصطفافات عصبية آنية، وليس للعقل السليم والسياسة الحكيمة أي أثر فيها، وإن ظهر لمن شكلوا الطوائف في وقت الأحداث التي نشأت فيها، أنها محقة ومستندة إلى دين إلا أنها في حقيقتها منبثقة عن صراع الاستحواذ على السلطة، ما أنتج غضباً أعمى وذاتية مفرطة ومشاعر مضطربة خلقت تصورات منحرفة للدين، لأنها نشأت في ظروف غير صحية ومتسرعة ونزقة، لذلك تجد فيها انحرافاً وتضخماً غير منطقي للمشاعر تجاه الأشخاص الذين قادوا الحركات السياسية أو العسكرية، وجابهوا قوة هيمنت عليهم، حتى ألجأتهم إلى الخيال وأقصتهم عن الواقع، فانعزلوا عن الحياة السياسية واشتغلوا بالخيال ولم يستطيعوا الهبوط إلى الواقع، لذلك إذا مكنتهم من الواقع ليديروه فشلوا فشلاً ذريعاً، لأن الخيال المجنح لا يستطيع إدارة الواقع السياسي وبناء دولة مكتملة الأركان، تدير حياة الناس بالقانون، لأن الطائفية لا تترك للناس مجالاً لمراجعة تصوراتهم أو تصورات كبار الطائفة والعودة الى بداية الصراع السياسي والعسكري الذي انبثقت منه الطائفة، ومحاكمتها بموضوعية، لتطوي صفحة النزاع الذي مات أصحابه وتوارى زمنه إلا من قصص تلاحق العامة وتزرع فيهم الحقد والكراهية، مع أنهم غير مضطرين لإهمال واقعهم والاهتمام بالتاريخ..!!
طبعاً هذا الكلام لا يخص الطائفية في الإسلام، بل يشمل وجودها في كل الأديان السماوية.

الخطير في الطائفية أمران:
الأول أنها تحشد النصوص والمبررات، المنطقية وغير المنطقية وتراكم المبررات عبر الزمن لتبرير مواقفها، حتى تصير المبررات ديناً منزلاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ديناً يتجاهل الثابت ويتّبع المتأرجح، ليحوز رضا حراس طائفته، ويبقي على اصطفافه الموروث.
والثاني أنها تستولي على المتعلق بها فتفصله عن واقعه المعاش وعن مجتمعه، وعن شؤونه التي تنهض بواقعه السياسي، فيكون في وسط النار ويحترق لكنه مشغول بأبطال الطائفية في زمن يتعذر الرجوع اليه او تلافي أخطائه، فينشغلون بأن رؤساء طائفتهم كانوا على الحق وتصرفوا بحكمة في اللحظة التاريخية لنشوء الطائفة، وإن منافسهم كان على الباطل، مع أن الظروف الموضوعية لاستمرار التصور الطائفي انتهت ولم يبق منها إلا الروايات والأساطير التي تدعم كبار الطائفة نفسياً ليسمر كيانهم..
الأخطر في الطائفية أنها لا يمكن أن تبني دولة حقيقية ناهضة لأنها تصنع التفرقة والتمييز بين الأفراد بناءً على انتماءاتهم الطائفية حتى أنها لا تفكر أصلاً في بناء دولة وإن فكرت فيكون تفكيرها منصباً على تغذية الصراعات والتناحر بين الطوائف المختلفة، ما يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية والسياسية، ويغذي الصراع والتناحر الذي يفضي أيضاً إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، عدا عن أن التمييز والانقسام يزرع القلق والخوف بين الأفراد، ويفشل أي حركة تحاول تلمس الطريق الصحيح، وبناء دولة قوية تحافظ على مكتسبات الشعوب واستقلالهم وإنقاذهم من هيمنة الدول الاستعمارية المتوحشة، فتحرمهم من حقوقهم وتذلهم باسم الدين.

المخرج الوحيد للأمة، هو العودة إلى ما قبل نشوء الطوائف، إلى حالة التوافق التي اتسم بها عهد النبي وعهد صاحبيه، عصر الأمة الواحدة، التي تؤمن بالله ورسوله، وتنفي التقديس عن كل البشر ولا تجعل مواقفهم السياسية ديناً يُتَعبد به، يطغى على دين الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعصوم الوحيد وعصمته تتعلق بتبليغ الدعوة، الدعوة التي تبني دولة حقيقية تضمن حقوق كل العباد فينضوون تحت لوائها، لتخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد..






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد