حين يصبح الصيام مهرجاناً استهلاكياً

mainThumb

21-02-2025 07:11 PM

طِوالُ العامِ نبحثُ عنّه،وننتظرهُ بفارغ الصبرِ والحنينِ، نقفُ على أطلالهِ؛ أن يبرأَ كلالةَ أرواحِنا،ويروِّضُ مطامعَ بطونِنا،و يُجثيَ لهثاتِ صدورِنا، ويُعمّرُ فينا ما قوَّضتهِ باقي الشهور.

لكن! وبالرغم من سابق علمنا بفضلهِ و خصوصيتهِ، إلا أنَّه ثمة مشهد متناقض يأبى إلا أن يتكرر كل عام، مشهد يُفرّغ الشهر من روحه، ويحوّله إلى مهرجان استهلاكي يعجّ بالمسرفين.

الطقسُ هائجًا، يزعقُ بالأمطارِ الشديدةِ، والنَّاس كأنما في بيوتهم أقوامًا من الفئران،هجّوا..هجّوا جميعهم إلى الأسواق، نحنُ أيضا هججنا معهم،كأنّما حرب على الأبواب؟
دُهشتُ: هل نحن مقبلون على شهر صيام أم مجاعة؟ لقد بدى لي الأمر (كظاهرة سنويّةٍ) فأصبح معروفًا أن الأيام التي تسبق رمضان، تتحول الأسواق إلى ميادينِ سباقٍ محمومٍ، أرفف تتهاوى تحت ثقلِ المنتجات، وعربات تتكدسُ بما يكفي لأشهرٍ، وكأن هذا الشهر ليس شهر الصيام، بل شهر التخزين والاستهلاك الجائر. كأن الجوعَ القادم سيُنسي الناس أن الله رزقهم بقوت يومهم، بل و وعدهم بذلك، فباتوا يجمعون الطعام خوفًا من انقطاعٍ لا وجود له.

نظرتُ أكثر..فوجدتُ صفحات الفيسبوك والأنستاجرام،ومواقع الطلبات الإلكترونية،بدأتْ منذ وقتٍ في سباقِ الترويجِ والعروضِ المُغرية لقوائم المنتجات،كأنَّها تُبرِق عيون المشتري، أو كأنها تحرضه على المزيدِ من الإنفاق، وتستفز الجوع الكامن داخله، ليُكبّل نفسه بأصناف الطعام والشراب،وتورِّطهُ فيها.
كل شاشة، كل واجهة، كل إعلان، يلهبُ الرغبات ويدعو إلى موائد مترعة بألوان الطعام، موائد تفوقُ الحاجة، وجسد يحشرجُ تحت وطأة التخمةِ، يَحلُّ الإفطار، فتفرُّ معاني التوازن، وتحضرُ معالقُ الامتلاء، تتصدر الموائدُ أطباقًا لا يُستهلكُ نصفها، وتُلقى النِّعم في سلال المهملات، وكأن الغاية من الصيام أن يجوع الإنسان نهارًا، ليُثقل معدته ليلًا.

وعليهِ فأقولُ: كلَّما انساقَ الإنسان وراء خرخرةِ أمعائهِ، وانشغلَ بفائضِ قوتِه،وبالتخطيط لوجبات غَدِهِ،وبإضاعةِ وقته في الأسواقِ والمطابخِ،كلَّما ابتعدَ أكثر عن جوهر هذا الشهر الفضيل،وأصبحَ قاصٍ عن عباداتهِ ، مُتراخيًا عن أدائِها.

فكان لزامًا عليهِ أن يتعلّم الإعتدال،فالنَّهم في الطعام،يغدو نهمًا في كل شيء آخر،وأن يفهمَ غاية الصَّوم،وأنه ليس شهرا للجوع المؤقت ولا للموائدِ العامرةِ،بل هو فرصة للإرتقاءِ بكل ما يثقلُ النفس من تُخمةِ الذنوب وبدانةِ البطون.

وبدلًا من أن نركضَ خلف الأسواق،لنسعى إلى لحظاتِ الطمأنينةِ، وبدل أن نُسرف في الطعام، لنسرف في الدعاء، وبدل أن نُكثر من الموائد، لنعمِّر قلوبنا بالذكر والتقوى، فهكذا فقط، يكون رمضان كما يُرادَ له أن يكون، شهر الصيام لا شهر الإسراف.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد