اصرار على الخطة المصرية العربية

mainThumb

20-02-2025 01:44 AM

في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية الإسرائيلية لتهجير مواطني غزة، تتصاعد المواجهة الدبلوماسية العربية بقيادة مصر والأردن، حيث تُعِدُّ الدول العربية خطةً بديلةً ترفض التوطين وتدعو لإعادة الإعمار، بينما تُحذِّر القاهرة من "نكبة ثانية" وتتهم واشنطن بمحاولة قلب الأمن الإقليمي. أصبحت خطط الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، لتهجير سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، واقعاً تُناقشه الأوساط السياسية علناً. وتستند الخطة إلى فكرة نقل السكان إلى سيناء المصرية أو الأردن، في إطار ما يُسوَّق كـ"حل دائم" للأزمة، إلا أن مصر والأردن ترفضان المخطط جملةً وتفصيلاً، مؤكدين أنه يُهدِّد استقرار المنطقة بأكملها.

وفقاً لتحليلات إسرائيلية، فإن نتنياهو يرى في خطة ترامب فرصةً لتحقيق حلمه بغزة خالية من الفلسطينيين، حيث أعلن صراحةً: "لن تكون هناك حماس ولا سلطة فلسطينية بعد الحرب"، بينما تُصر الإدارة الأمريكية على ربط وقف العدوان بإنهاء الوجود السياسي والعسكري لحماس، وهو ما يرفضه الفلسطينيون ويعتبرونه استسلاماً شاملاً. رداً على المخطط الأمريكي، تعمل الدول العربية على صياغة موقف موحد، حيث تأجلت "القمة العربية المصغرة" في الرياض من الخميس إلى الجمعة لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلى مصر والأردن. وتهدف القمة إلى تقديم رؤية عربية تُعارض التهجير، وتدعم إعادة إعمار غزة تحت مظلة دولية.

كشفت تسريبات لتحليلات إسرائيلية (نُشرت في صحيفة "معاريف") عن تفاصيل الخطة المصرية التي تقترح عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة بدعم أممي وأوروبي، وتشكيل حكومة تكنوقراط لتقديم الخدمات، ونشر قوات من خمس دول (مصر، الأردن، الإمارات، الولايات المتحدة، ودولة خليجية) للإشراف على الأمن، وإبقاء حماس كشريكٍ سياسي دون سيادة، بهدف إضعافها تدريجياً. لكن إسرائيل ترفض الخطة، واصفةً إياها بـ"الوهمية"، بينما تُشير مصادر دبلوماسية إلى أن القمة ستُكرِّس رفضاً عربياً قاطعاً لأي تهجير، مع التأكيد على حق العودة وحل الدولتين.

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصريحاً حاسماً خلال استقباله رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، أكد فيه أن مصر تعمل على إعمار غزة دون تهجير أهلها، وهو الموقف نفسه الذي تبناه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي، حين حذَّر من أن التهجير "سيُفجِّر المنطقة". وتعكس المواقف المصرية والأردنية خشيةً من تداعيات التهجير على الأمن القومي لكلتا الدولتين، خاصةً مع عمق التضامن الشعبي العربي مع القضية الفلسطينية. فوفقاً لتحليل "جاكي حوجي" في "معاريف"، فإن أي قبول مصري بالتهجير قد يُعرِّض نظام السيسي لاضطرابات داخلية، بينما يُعتبر الموقف الأردني جزءاً من استراتيجية لتحويل الأزمة إلى فرصةٍ لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية.

لم تتردد الإدارة الأمريكية في استخدام أسلوب العصا والجزرة، حيث هدَّد ترامب بقطع المساعدات عن مصر والأردن في حال رفضهما التعاون، وهو ما دفع السيسي لإلغاء اجتماعٍ مُقرَّر مع الرئيس الأمريكي، فيما وصفه مسؤول مصري بـ"أشد أزمة دبلوماسية منذ ثلاثين عاماً". من جهتها، حاولت الخارجية الأمريكية تخفيف الاحتقان عبر إعلان المبعود الأميركي "ستيفن ويتكوف" عن استئناف المفاوضات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تتضمن نزع سلاح حماس، لكن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى استحالة تنفيذ ذلك دون عودة الحرب.

تواجه حماس ضغوطاً مزدوجة: عسكرياً من الاحتلال، وسياسياً من بعض الأطراف العربية والدولية التي تُطالبها بالتخلي عن السلاح مقابل إعمار غزة. لكن الحركة تُصرُّ على ربط أي اتفاقٍ بإنهاء الاحتلال وضمان حق العودة، فيما تُحذِّر فصائل فلسطينية من أن أي تسوية تُهمِّش حماس ستكون "إجهاضاً للإرادة الشعبية". تُعتبر القمة العربية المرتقبة في القاهرة محطةً حاسمةً لاختبار قدرة الدول العربية على تقديم بديلٍ عمليٍ يُحافظ على حقوق الفلسطينيين، خاصةً مع تزايد الدعوات لمخاطبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها.

في الوقت الذي تُحاول فيه الإدارة الأمريكية تحويل غزة إلى ورقة ضغطٍ جيوسياسية، تُثبت الدبلوماسية العربية أن رفض التهجير ليس مجرد شعار، بل معركة وجودية تُعيد تعريف مستقبل المنطقة. والسؤال الآن: هل ستنجح القمة العربية في تحويل الرفض إلى استراتيجية فعلية، أم ستظل الخطط حبراً على ورق؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد