الأردن .. الرقم الصعب

mainThumb

20-02-2025 01:14 AM

لطالما أثبتت القيادة الأردنية قدرتها الفائقة على التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية بحنكة ودبلوماسية عالية، وهو ما تجلى بوضوح في موقف جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، حيث استطاع أن يُحدث اختراقًا سياسيًا نوعيًا، قلب الحسابات وأعاد ترتيب الأولويات على الساحة الإقليمية.

في وقت كانت بعض القوى تسعى لتمرير خطط من شأنها تغيير الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة، جاء موقف الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني صريحًا وحاسمًا، ليؤكد أن أي حلول لا تستند إلى الشرعية الدولية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني مرفوضة جملةً وتفصيلًا. لم يكن ذلك مجرد موقف دبلوماسي اعتيادي، بل كان تحديًا استراتيجيًا أرسى معادلة سياسية جديدة أفشلت مشاريع كبرى كانت تُرسم في الكواليس.

لطالما امتازت الدبلوماسية الأردنية بالوضوح والاتزان، وهو ما جعلها تحظى باحترام عالمي، حيث يقف الأردن اليوم ليس كمتلقٍ للقرارات، بل كطرف فاعل ومؤثر في صياغة مستقبل المنطقة. وعندما التقى جلالة الملك بالرئيس الأمريكي في ذروة الحديث عن ما يُسمى بـ"خطة التهجير"، كان واضحًا أنه جاء ليوقف مسارًا خطيرًا كان يُحاك خلف الأبواب المغلقة.

لقد تعامل الأردن مع هذا الملف برؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث استطاع أن يستند إلى دعم شعبي داخلي قوي، وغطاء إقليمي ودولي متزايد. وعلى الرغم من الضغوط الهائلة، لم يتزحزح الموقف الأردني قيد أنملة عن ثوابته الوطنية والقومية، ما جعله صمام أمان حقيقي أمام أي محاولات لتجاوز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو المساس بالهوية الوطنية الأردنية.

لا يمكن فهم قوة الموقف الأردني دون العودة إلى الدعم الشعبي الواسع الذي يحظى به جلالة الملك في القضايا الوطنية والقومية، حيث شكّل الأردنيون جدارًا صلبًا خلف قيادتهم، ورفضوا أي حلول تمس بالهوية الوطنية أو تتنافى مع مبادئ العدل والشرعية الدولية. هذا التلاحم بين القيادة والشعب هو ما عزز قدرة الأردن على الصمود أمام الضغوطات السياسية والاقتصادية، وجعل الموقف الأردني أكثر قوة وتأثيرًا على الساحة الدولية.

إن إدراك القوى الكبرى لهذا الدعم الشعبي الصلب جعل من المستحيل تجاوز الدور الأردني في أي ترتيبات مستقبلية تخص القضية الفلسطينية أو مستقبل المنطقة. لم يكن الأردن بحاجة إلى استجداء الدعم، لأن موقفه القوي استند إلى قناعة داخلية وإجماع شعبي، وهو ما جعل صوته مسموعًا ومحترمًا في أروقة السياسة العالمية.

إلى جانب الالتفاف الشعبي الأردني حول الموقف الرسمي، حظي الدور الأردني بدعم غربي متزايد، حيث بدأت العديد من القوى الغربية تدرك أن تجاوز الأردن في القضايا الإقليمية ليس خيارًا واقعيًا، بل مغامرة غير محسوبة العواقب. فقد أثبتت الوقائع أن القيادة الأردنية تمتلك رؤية واضحة واستراتيجية ثابتة في التعامل مع الملفات الإقليمية، وهو ما جعل الغرب يثق أكثر فأكثر في قدرة الأردن على أن يكون شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

لقد نجح الأردن، بقيادة جلالة الملك، في تغيير الحسابات الإقليمية والدولية، وإعادة توجيه بوصلة الحلول نحو خيارات أكثر واقعية وإنصافًا. لقد كان الصوت الأردني حاضرًا بقوة، ليس فقط من منطلق الدفاع عن حقوقه ومصالحه، بل أيضًا من منطلق الحفاظ على استقرار المنطقة بأسرها، وهو ما جعل العديد من القوى الدولية تُعيد النظر في مواقفها وتُدرك أن أي حل للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم دون وجود رؤية عربية بديلة قائمة على الحقوق والشرعية الدولية.

في ظل كل هذه التحديات والتحولات، يبقى الأردن الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة إقليمية أو دولية. لقد أثبتت الأحداث أن الدبلوماسية الأردنية، بقيادة الملك عبدالله الثاني، ليست مجرد رد فعل على الأحداث، بل قوة فاعلة ترسم مسارًا سياسيًا جديدًا. إن حنكة القيادة الأردنية، المدعومة بالتفاف شعبي واسع، ودعم دولي متزايد، جعلت من الأردن نموذجًا للدولة القادرة على فرض رؤيتها وحماية مصالحها، رغم كل الضغوط والتحديات.

اليوم، ومع استمرار الأردن في دوره المحوري في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحماية أمنه الوطني والقومي، فإن الرهان يبقى على هذه القيادة الحكيمة التي أثبتت مرارًا وتكرارًا أن المواقف المبدئية لا تباع ولا تشترى، وأن الحق لا يسقط أمام الضغوط، بل يزداد قوة عندما يكون مستندًا إلى الشرعية الشعبية والدولية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد