حين يرتجف اليقين

mainThumb

13-02-2025 01:26 AM

قال لي هذا الصباح زميلي الذي يتحدث أكثر مما يعمل، والذي أصبح شبه صديق بعد عدة مواقف جمعتنا، حيث بدأ ينظر إليّ ككيان قادر رغم أنني امرأة! — وهذا باعترافه هو— في ليلة لم يكن أحد منا يتوقع أن نُستدعى فيها إلى المكتب بسبب سقوط أحد طغاة هذه الدنيا: "إن اليد المرتجفة لا تكتب شيئًا." وبما أنني رغبت في إنهاء الحديث قبل أن يبدأ، طلبت منه التوقف هنا، لأن النقاش سيطول والعمل لا ينتظر. لكنه رد عليّ قائلًا: "نحن أساسًا نبيع الكلام، فما الصعب في ممارسته أثناء العمل به؟"

الذي لا يعرفه هو أنني لطالما هرعت إلى الخيال بجسم يرتجف، فأنجبت نصوصًا مليئة بالأخطاء الإملائية التي لو رأتها أستاذتي للغة العربية في الثانوية لكتبت "حمارة" على ملصق أحمر وطلبت مني أن أطوف بالمدرسة، كما كانت تفعل دائمًا.
كنت ولا أزال أنجو بالخيال الذي أحصل به على عناق حار في آخر اليوم فينسيني كل المرارة التي عشتها فيه، يد تربت على ظهري بلطف، ساكبة عليّ طمأنينة صامتة، ومكتبة واسعة أجد فيها ما قد يجيب عن أسئلتي، فتسكت، ولو قليلاً، الأصوات التي تدوي بداخلي. كما أتخيل أمًّا تحبني بلا شروط، لا تعاقبني ضربًا لمجرد أنني أسقطت كأسًا بالخطأ. أو بالأحرى، فقط لأن قدري كان أن أجيء إلى هذا العالم بنقصٍ واضحٍ في الرغبة.

لقد كان الأمر أشبه بترويض الفيلة من أجل عروض السيرك، الذي يقوم على مبدأ المكافأة والعقاب مع تلاعب محكم بكل التفاصيل، حتى تستكين وتصبح حيوانات تتبع التعليمات وتظهر براعتها على المسرح. إلا أنني اكتشفت بقدرة قادر أنني أضخم من أن أختزل في حركات استعراضية ترفه عن الجمهور ولا ترق لي بأي شكل من الأشكال. فتعلمت أن أقول "لا"، التي كانت تخرج من فمي الذي كاد لسانه أن يمضغ نفسه من شدة الارتجاف، عنيفة، صادمة، ومدوية.

لقد كنت أفتح فمي لأتكلم لا لآكل فقط، وأغمض عيني لأحلم لا لأنام. لقد كنت أفعل هذا وأنا أرتجف. وهنا كانت معضلتي الكبرى!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد