الملك عبدالله الثاني والدبلوماسية الحاسمة

mainThumb

12-02-2025 08:57 AM

لطالما تميزت الدبلوماسية الأردنية، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، بالحكمة والاتزان في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، مع الحفاظ على ثوابت الأردن الوطنية والعربية. وخلال اللقاء الذي جمع جلالته بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أظهر الملك مرة أخرى قدرته الفائقة على إيصال الرسائل الواضحة والحاسمة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ورفض أي حلول غير عادلة، وعلى رأسها التهجير القسري للفلسطينيين.
في اللقاء، أكد الملك أن العرب سيأتون برد موحد على المقترحات الأمريكية، مما يعكس عمق التنسيق العربي في القضايا المصيرية. واليوم، في ظل تصاعد الحديث عن تهجير سكان غزة، يصبح من الضروري أن يُترجم هذا الموقف العربي إلى خطوات عملية تضمن منع أي مخطط من شأنه إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية في المنطقة.

أولًا: التهجير القسري… خط أحمر أردني وعربي

يدرك الأردن، ومعه الدول العربية الكبرى، أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة ليست مجرد أزمة إنسانية، بل هي تهديد مباشر للأمن القومي العربي. فمثل هذا السيناريو سيؤدي إلى:
* إفراغ غزة من أهلها لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ما يعزز سيطرة إسرائيل الكاملة على القطاع.
* إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية في المنطقة بطريقة تفرض واقعًا جديدًا، على حساب الأردن ومصر والدول المجاورة.
* إحداث اضطرابات سياسية وأمنية في الدول المستقبِلة للمهجرين، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.
لهذا السبب، كان الموقف الأردني واضحًا منذ البداية: لا يمكن القبول بأي تهجير للفلسطينيين، لا من غزة ولا من أي منطقة أخرى.
ثانيًا: الدبلوماسية الأردنية وترك الكرة في ملعب القادة العرب

عندما قال الملك لترامب إن "العرب سيأتون برد موحد"، كان يضع مسؤولية القضية الفلسطينية في إطارها العربي الأوسع، بعيدًا عن الحلول الفردية أو الضغوط السياسية على دولة بعينها. وهذا يعكس النهج الأردني في التعامل مع القضايا الإقليمية، والذي يقوم على:
* التنسيق العربي المشترك:
* عدم ترك الأردن وحده في مواجهة أي سيناريو تهجير محتمل.
* ضرورة أن يكون هناك موقف عربي موحد لا يمكن تجاوزه دوليًا.
* تأكيد أن القضية الفلسطينية ليست شأنًا أردنيًا فقط:
* الأردن يحمل ملف القدس بحكم الوصاية الهاشمية، لكنه ليس المسؤول الوحيد عن مستقبل فلسطين.
* على دول الخليج ومصر وغيرها أن تتحمل مسؤولياتها في حماية حقوق الفلسطينيين ومنع تصفية القضية.
* مخاطبة المجتمع الدولي بلغة الدبلوماسية القوية:
* التأكيد على أن أي تهجير يعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
* ضرورة التحرك في المحافل الدولية لمنع أي محاولات لفرض هذا السيناريو كأمر واقع.

ثالثًا: الخطوات العملية لمواجهة أي مخطط تهجير

لكي يكون هناك تأثير حقيقي للموقف العربي الرافض للتهجير، لا بد من تحويل الرفض إلى خطوات ملموسة، تشمل:
* إعلان موقف عربي رسمي موحد
* عقد قمة عربية طارئة أو اجتماع وزاري عاجل لإصدار بيان واضح بأن التهجير مرفوض نهائيًا.
* توجيه رسالة مباشرة إلى المجتمع الدولي بأن أي دولة تدعم أو تسهّل التهجير ستكون مسؤولة عن تداعياته الأمنية والسياسية.
* التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار واضح يجرّم تهجير الفلسطينيين.
* تعزيز صمود الفلسطينيين في غزة
* تقديم دعم مالي ولوجستي يساعد أهل غزة على البقاء في أراضيهم.
* العمل على مشاريع إعادة الإعمار لتحسين الظروف المعيشية ومنع تحويل القطاع إلى بيئة طاردة لسكانه.
* استخدام الإعلام والتأثير الدولي
* تكثيف الحملات الإعلامية العربية والدولية لتوضيح مخاطر التهجير على استقرار المنطقة.
* مخاطبة الرأي العام الغربي بلغة يفهمها، تؤكد أن التهجير ليس حلًا إنسانيًا، بل جريمة منظمة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
* تحريك الملفات القانونية الدولية
* رفع قضايا في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ضد أي محاولة تهجير قسري للفلسطينيين.
* توثيق أي انتهاكات إسرائيلية لعرضها كأدلة دامغة أمام المؤسسات الدولية.

الخاتمة: موقف الأردن ثابت… والمطلوب تحرك عربي جاد
أثبتت الدبلوماسية الأردنية، بقيادة الملك عبدالله الثاني، أنها قادرة على إيصال الرسائل بوضوح وحزم، كما فعل جلالته خلال لقائه مع ترامب، عندما شدد على أن القرار ليس بيد دولة واحدة، بل هو قرار عربي مشترك.
اليوم، أصبح هذا الموقف أكثر أهمية من أي وقت مضى، فرفض التهجير يجب ألا يكون مجرد شعار، بل موقف عملي مدعوم بتحركات سياسية ودبلوماسية وإعلامية. التاريخ لن يرحم أي طرف يتهاون في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ولا بد من ترجمة هذا التوافق العربي إلى أفعال تضمن حماية الفلسطينيين من أي مخطط تهجير قسري، وتحافظ على استقرار المنطقة بأسرها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد