رقص مع الذئاب

mainThumb

10-02-2025 10:11 PM

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد الضغوط الدولية حول القضية الفلسطينية، تشهد الساحة الدبلوماسية تحركات عربية مكثفة، تقودها ثلاث قوى إقليمية رئيسية: الأردن، مصر، والمملكة العربية السعودية. هذه التحركات، التي تُعتبر جزءاً من حوار عربي-أميركي معقد، تهدف إلى مواجهة التوجهات الأميركية المثيرة للجدل، خاصة تلك المتعلقة بمستقبل الفلسطينيين، والتي تتعارض مع المبادئ العربية والإسلامية.
المؤشر الأول: الزيارة الملكية الأردنية لواشنطن... اختبار للعلاقات الاستراتيجية
بدأت المواجهة الدبلوماسية بزيارة تاريخية للملك عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة، حيث سيجتمع مع الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء، ومسؤولين رفيعي المستوى، بينهم وزير الدفاع الأميركي ومسؤولي الكونجرس. وجاءت الزيارة في وقت تواجه فيه العلاقات الأردنية-الأميركية تحديات، خاصة بعد تجميد واشنطن جزءاً من المساعدات المالية للأردن، والتي تبلغ قيمتها نحو ملياري دولار.
من جهة أخرى، أكدت المملكة الأردنية، عبر تصريحات رسمية، رفضها القاطع لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تنكر حق الفلسطينيين في إقامة دولة، واصفة إياها بانتهاك صارخ للقانون الدولي.
المؤشر الثاني: السعودية تُعيد تأكيد الثوابت... القدس خط أحمر
لم تتأخر الرياض في الرد على اقتراحات نتنياهو بإنشاء دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، حيث أصدرت الخارجية السعودية بياناً حازماً أشارت فيه إلى أن "الشعب الفلسطيني صاحب حق تاريخي لا يُنازَع". كما عبّرت عن رفضها استخدام مثل هذه التصريحات لتحويل الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية في غزة، والتي وصفتها بـ"التطهير العرقي".
المؤشر الثالث: مصر ترفض خطة ترامب لغزة... والتحرك الدبلوماسي يتصاعد
من جانبها، تصدّرت مصر المشهد برفضها المباشر لخطة ترامب المزعومة، التي تقترح سيطرة أميركية مؤقتة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين قسراً. وتوجّه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى واشنطن لإجراء محادثات مع الإدارة الأميركية، في خطوة تُعزّز الموقف العربي الموحد.
المؤشر الرابع: قمة عربية طارئة... تحضير لمواجهة دولية
أعلنت مصر عن عقد قمة عربية طارئة في 27 فبراير، بمشاركة دول عربية وإسلامية ودولية، بهدف توحيد الرؤى حول القضية الفلسطينية. وتأتي هذه الخطوة كردّ على المخاطر التي تطرحها سياسات ترامب، والتي قد تُفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
الرقص مع الذئاب: تحالفات إستراتيجية وأمن إقليمي
لا يمكن فصل هذه التحركات عن الإطار الجيوسياسي الأوسع. فمعاهدتا السلام الأردنية والمصرية مع إسرائيل، رغم انتقاداتهما، تشكلان ركيزة للاستقرار الإقليمي. كما أن الوجود العسكري الأميركي في الأردن، والدور المصري في أفريقيا والشرق الأوسط، يمنحان البلدين نفوذاً في تشكيل السياسات الأميركية.
لكن التوتر يظل قائماً، خاصة مع إصرار الإدارة الأميركية على تبني خطط تُهمّش حل الدولتين، مثل "صفقة القرن"، والتي تُعارضها الدول العربية جملةً وتفصيلاً.
رفض التهجير... وإصرار على تثبيت الحقوق
ختاماً، تؤكد الدول الثلاث أن الرفض العربي لتهجير الفلسطينيين ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل مسألة وجودية. فالأردن ومصر، اللذان يستضيفان ملايين اللاجئين منذ عقود، يدركان أن قبول أي مخطط للتهجير سيشكل ضربة لقضيتهما التاريخية ولشرعيتهما الإقليمية.
في هذا السياق، تبدو زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن محورية، فقد تكون آخر فرصة لتحويل الحوار من "رقص مع الذئاب" إلى تفاهم استراتيجي يحفظ الحقوق الفلسطينية، ويُعيد الاعتبار لدور الولايات المتحدة كوسيط نزيه... إن أرادت ذلك حقاً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد