حرب السرديات وإثبات الوجود

mainThumb

10-02-2025 09:55 PM

ما يجري في العالم من تسارع للاحداث والصراعات، ماهي الا حرباً لسرديات مختلفة وصراعاً انتقل من السردية الى ارض الواقع، ومحاولات لفرض الوجود من طرف على حساب الطرف الأخر ، اذن هي معركة لاثبات الشرعية.

فلم تعد تقتصر المعارك على الأسلحة والجيوش، بل انسحبت إلى ميادين الفكر والثقافة والإعلام, تُعرف هذه الظاهرة بـ"حرب السرديات" حيث تتنافس الدول والجماعات وحتى الأفراد على فرض رؤاهم ورواياتهم الخاصة للواقع والتاريخ، في جوهر هذه الحرب، تكمن مسألة "إثبات الوجود"و محاولة للسعي إلى ترسيخ الهوية والتأثير على وعي الجماهير وصناعة الحقيقة المقبولة.
فالسردية ليست مجرد قصة تُروى، بل هي إطار فكري يؤثر في فهم الناس للأحداث ويشكل هويتهم الثقافية والسياسية، و في سياق الحروب التقليدية أو تناطح الأيديولوجيات، تسعى الأطراف المختلفة إلى فرض وبسط رواياتها حول الشرعية، والاحقية و العدالة والقيم التي تدافع عنها.
في الوضع الطبيعي لن تحتاج الامم لسردية مثيرة تثبت بها احقيتها من غيرها في نزاع ما!
لكن يبرز اهمية خلق سردية بشكل خاص عند الصراعات التاريخية، حيث تحاول كل جهة إعادة تشكيل الماضي بما يخدم مصالحها، وفي النزاعات السياسية، حيث تستخدم الحكومات والمؤسسات الإعلامية السرديات لتبرير سياساتها.
وتعمل على تغذية تلك السرديات بشهادات حية مرة، لأناس عاصروا تلك الحقبة الزمنية او تستشهد بصور وبيانات ومخطوطات ووثائق تعضد على لسان السردية.
ولا يقف الامر عند هذا الحد بل قد تخاض حرب السرديات عبر وسائل متعددة، من أبرزها، الإعلام التقليدي والجديد اذ تستخدم الدول والمنظمات القنوات التلفزيونية والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر رواياتها والتأثير على الرأي العام.
كذلك يلعب الأدب والسينما والموسيقى دورًا مهمًا في ترسيخ السرديات عبر الزمن، حيث تساهم في خلق صور نمطية وتشكيل وعي الأجيال. والمسلسات المصرية التاريخية خير دليل
اما التعليم والمناهج الدراسية فتعد أداة حاسمة في بناء السردية الوطنية وترسيخ قيم وتصورات محددة حول التاريخ والهوية.
يعد "إثبات الوجود" أحد الأهداف المركزية لحرب السرديات، وهو يعني تأكيد الهوية والحقوق في مواجهة التهميش أو الطمس الثقافي والسياسي.
يظهر هذا بوضوح في قضايا يعيشها العالم اليوم، مثل القضية الفلسطينية حيث يتنافس الفلسطينيون والإسرائيليون على سرديات متناقضة حول الاحقية بالأرض والتاريخ والحقوق، ويستخدم كل طرف الإعلام والتعليم والدبلوماسية بل وحتى الطبخ فكل طرف يقول انه اول من اخترع الفلافل! لترسيخ روايته
ان التوثيق الرصين لعادات وتقاليد وموروثات الشعب ماهو الا صك ملكية للارض والهواء لتلك البقعة، وعند العودة للقضية الفلسطينية وسرديته حول الارض نرى ان العالم بات يهمش تلك السردية, وغالبا ما يطالب بإعادة كتابة التاريخ من جديد، والتوجه نحو اسرائيل وتصوير ثقافتها كنموذج عالمي، او الترويج لهويتها الخاصة كبديل منافس.

ولا تواجه السرديات بمنطق القوة بل بسرديات مغايرة لها وذلك باتباع استراتيجيات متعددة، منها
تعزيز التفكير النقدي لدى الأفراد ليتمكنوا من تحليل السرديات المختلفة وفهم دوافعها, اي لا يقبل اي سردية خرافية وتهمل من المبالغة وعدم الدقة الشيء الكثير.
اما إنتاج السرديات البديلة فيجب ان تستند إلى حقائق واضحة وصحيحة وهنا ياتي دور الإعلام المستقل كونه القوة الناعمة بدعم السردية عبر دعم الصحافة الحرة والإعلام المستقل لضمان تقديم روايات غير منحازة وقائمة على الحقائق وتوظيف التعليم والفنون كوسائل لنشر السردية الوطنية أو القومية بطرق أكثر تأثيرًا وديمومة.
في ظل تزايد الصراعات الفكرية والمعلوماتية، أصبحت حرب السرديات أداة حاسمة في رسم خريطة النفوذ والتأثير العالمي، إن النجاح في هذه الحرب لا يعتمد فقط على القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل على القدرة على صناعة وإيصال روايات مقنعة تخاطب العقول والقلوب. في النهاية، من يمتلك السردية الأكثر إقناعًا هو من يستطيع إثبات وجوده بقوة في ميدان التاريخ والسياسة والثقافة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد