تحت الركام

mainThumb

10-02-2025 05:28 PM

تجمعنا نتفقد أحوال الناس بعد القصف، ركام ودمار، جثث مترامية، وجرحى كذلك، قسمنا أنفسنا، بعضنا تبرع بنقل الجرحى إلى المستشفى، وبعضنا ارتأى أن نبحث عن شهداء آخرين تحت الأنقاض، لمحنا فتحة صغيرة، نظرنا من خلالها، ظلام يحجب الرؤية، لكننا سمعنا همهمة ما، خُيل لنا أننا نتهيأ، لكن كوننا سمعنا الصوت جماعة أيقنا أننا لسنا واهمون، عملنا بنشاط على توسيع الفتحة، إذ بيد آدمية تتحرك، دب النشاط بنا، أزحنا الحجارة والتراب، وسّعنا أكثر حتى انتشلنا إمرأة شابة على قيد الحياة، كانت جريحة، أردنا نقلها إلى المستشفى، رفضت ما لم نبحث عن أبنائها الثلاثة، عبثا حاولنا إقناعها، قلنا لها هنا من سيبقى ليواصل البحث، لكن علينا أن نسرع بنقلها، رفضت بشدة، ركنّاها جانبا، وبحثنا بنشاط، أخيرا انتشلنا جثماني طفلين، ولم نعثر على الثالث، نظرت إليهما … قالت: لعلهما في غيبوبة، نظرنا إليها بصمت، قالت: نعم … أدرك إنهما استشهدا، لكن الثالث حي، مستحيل أن أفقد الثلاثة، أليس كذلك؟ تبادلنا النظرات بحيرة، ووعدناها أن نبحث، لكن علينا نقلها الآن، وسيبقى من يتولى البحث، قالت: بل نجده أولا، إنه هناك، وأشارت إلى الركام. بحثنا بهمة جديدة، وجدنا قدما صغيرة تنتعل حذاء ورديا، قالت: نعم، هذا حذاؤه … إنه صغيري، آخر العنقود، أخواه أحتسبهما عند ربي شهيدين، وهذا أرضى أن يكون مقطوع القدم، احتضنت قدمه وقبلتها، وقالت: هذه قدمه، ولكن أريده حيا، إبحثوا … تبرع رجل وتسلل إلى الداخل، وآخرون مكثوا قرب المرأة يحاولون تضميد ساعدها النازف، أخيرا عاد المتسلل يحمل جثمان الطفل، قالت: نعم، هذا هو إلي به، قربناه منها، قالت: هو حي، لا أرضى غير هذا الإحتمال … أخواه قضيا، لكن من المستحيل أن أفقدهم جميعهم، أبوهم استشهد أمس، أما هذا فهو حي، أليس كذلك؟ نظرنا إليها بصمت، لا نعرف كيف نواسيها، نظرت إليه مليا، ثم قالت: الحقيقة ماثلة أمامي، هم جميعهم شهداء، لكن لمَ أبقيتني يا الله لأتجرع مرارة فقدهم؟ أومأنا إليها كي ترافقنا، قالت: أشيع شهدائي أولا، ثم أذهب معكم، دعوني قربهم، أو إدفنوني معهم، وبكت ….



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد