إيران بين عصا نتنياهو وجزرة ترامب الفاسدة

mainThumb

10-02-2025 12:47 PM

منذ عقود، تسعى إيران إلى مد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط على حساب الدول العربية الهشة، لكنها اصطدمت في مواجهة تحالف أمريكي-إسرائيلي يسعى إلى تقويض نفوذها في الشرق الأوسط. فبينما ترى الولايات المتحدة وإسرائيل أن طهران تهدد مصالحهما الإقليمية، تعتبر إيران نفسها لاعبًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله في معادلة القوة بالمنطقة. ومع تصاعد صراع النفوذ، ازداد التوتر بين الأطراف الثلاثة، مما جعل المنطقة على حافة الانفجار مرارًا وتكرارًا. هذا التوتر تفاقم بعد أحداث 7 أكتوبر، التي دفعت إسرائيل والولايات المتحدة إلى تشديد موقفهما من إيران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

وخلال العقود الماضية، اتسمت العلاقة بين إيران وإسرائيل بالمواجهة غير المباشرة عبر حروب الوكلاء في سوريا ولبنان وغزة واليمن، ومع أن إسرائيل لطالما رأت في إيران تهديدًا وجوديًا لها، فإنها تجنبت الصدام المباشر لفترة طويلة، مكتفية بضربات محدودة ضد الوجود الإيراني في سوريا وضد حلفائها.

في المقابل، اعتمدت إيران استراتيجية توسعية عبر ميليشياتها في المنطقة، ما جعلها قوة لا يمكن تجاهلها. وفي ظل هذا الصراع، لعبت الولايات المتحدة دور الداعم المطلق لإسرائيل، سواء عسكريًا أو دبلوماسيًا، كما استخدمت العقوبات الاقتصادية والضغط السياسي لإضعاف إيران وتقويض نفوذها الإقليمي، إلا أن سياسة الضغط الأمريكية ترتفع حدتها في ظل حكم الحزب الجمهوري في حين تنخفض إلى مستوى سياسة الاحتواء الناعمة عند تولي الديمقراطيين للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي جعلها فاقدة لمحتواها.

ويعتبر البرنامج النووي الإيراني نقطة الخلاف الأبرز بين طهران والغرب، حيث تخشى الولايات المتحدة وإسرائيل من امتلاك إيران لسلاح نووي قد يغيّر موازين القوى. وفي عهد دونالد ترامب، انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015، وفرضت عقوبات قاسية على إيران ضمن سياسة "الضغط الأقصى"، التي هدفت إلى خنق الاقتصاد الإيراني ودفع طهران للاستسلام، إلا أن الديمقراطيين تمكنوا من العودة إلى البيت الأبيض وخففوا العقوبات الاقتصادية والضغط الأقصى على إيران الأمر الذي أعطى إيران دافعاً للاستمرار في نهجها التوسعي في المنطقة.

ثم جاءت أحداث 7 أكتوبر، التي شهدت هجومًا غير مسبوق على إسرائيل، زادت من توتر العلاقة بين إيران وإسرائيل، ومع أن طهران نفت أي دور مباشر في الهجوم، فإن إسرائيل والولايات المتحدة اعتبرتا أن إيران هي المحرك الأساسي وراء التصعيد. ردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة ضد غزة، و وسعت نطاق المواجهة لتشمل حزب الله والحوثيين واستهدفت العمق الإيراني، مما أرغم إيران على توجيه رد مباشر إلى إسرائيل لحفظ ماء الوجه.

لكن حدث ما لم تحسب حسابه إيران فقد تكبدت خسائر لم تكن في الحسبان وقتل قادة الجماعات المسلحة من حلفائها وقتل العديد من قادة الحرس الثوري وخسرت حليفها بشار في سوريا وعاد ترامب من جديد إلى البيت الأبيض ولم يكتفِ هذه المرة بالعقوبات، بل زوّد إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات، مما جعل تل أبيب تملك "عصا غليظة" تهدد بها المنشآت النووية الإيرانية. في المقابل، لوح ترامب لإيران بصفقة تتخلى بموجبها عن برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها، وهي الصفقة التي بدت لإيران أشبه بـ"جزرة فاسدة"، حيث لا توجد ضمانات حقيقية لحماية مصالحها وحفظ أمنها ولا لبقاء نظامها.

في ظل هذه التطورات، وجدت إيران نفسها بين خيارين أحلاهما مر: إما القبول بـ"جزرة ترامب الفاسدة" والتخلي عن طموحاتها النووية، أو مواجهة عقوبات ترامب المشددة و "عصا نتنياهو الخارقة للتحصينات"، التي تهدد بتدمير برنامجها النووي بالكامل. ورغم صعوبة الخيارين، فإن إيران ربما تواصل اللعب على حافة الهاوية، مراهنةً على قدرتها على المناورة بين الضغوط والعقوبات والتهديدات العسكرية، دون تقديم تنازلات جوهرية.

ختاماً، تظل إيران في قلب معادلة الصراع الإقليمي، بين الضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية. وبينما تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى كبح نفوذها، تدرك طهران أن الاستسلام ليس خيارًا، لكنها تعلم أيضًا أن المواجهة المباشرة قد تكون مكلفة. ومع تصاعد التوتر، تبقى المنطقة على صفيح ساخن، حيث قد تؤدي أي خطوة خاطئة إلى اندلاع مواجهة لا تُحمد عقباها، قد تغير مستقبل الشرق الأوسط برمته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد