الموقف السعودي الرافض للتهجير وأثره على التطبيع

mainThumb

10-02-2025 02:09 AM

لطالما كانت المملكة العربية السعودية ولا تزال، درة تاج التطبيع الذي ينشده الكيان الإسرائيلي في علاقته بالمحيط العربي، وهو الجائزة الكبرى وفقا لتعبير الكاتبة الإسرائيلية آنا براسكي، نظرا للثقل الذي تتمتع به المملكة ومكانتها في العالم العربي والإسلامي.
تمسّك السعودية بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، على مبدأ حل الدولتين كشرط أساس وقطعي لإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، بمثابة عقبة كؤود أمام حكومة نتنياهو، لأن هذا الحل يرفضه اليمين الإسرائيلي والأحزاب في الداخل الإسرائيلي، وصوّت الكنيست العام الماضي ضد إقامة دولة فلسطينية، بل ترفضه معظم الجماهير الإسرائيلية، حيث نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية الأسبوع الماضي، استطلاعا للرأي أجرته شركة دايركت بالس، حول موقف الإسرائيليين من إقامة دولة فلسطينية مقابل خيار التطبيع مع السعودية، فأظهرت النتائج رفض 71% منهم. نتيجة لثبات الموقف السعودي، تمارس الولايات المتحدة الضغوط على المملكة لخفض سقف تطلعاتها حيال القضية الفلسطينية، والرد في كل مرة لا يتغير: قيام دولة فلسطينية شرط التطبيع.
جاءت دعوة ترامب ونتنياهو لتهجير سكان غزة لتؤزِّم المشهد وتزيد ملف التطبيع بين السعودية والكيان الإسرائيلي تعقيدا، لأن الدعوة تجاوزت بوضوح شرط المملكة في قيام دولة فلسطينية موحدة، وتطيح به. الغطرسة التي ظهر بها ترامب في مقترح تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، وكذلك الغطرسة التي ظهر بها ترامب عندما أشار إلى السعودية لاستيعاب دولة فلسطينية على أراضيها، احتاجت إلى رد أقوى من مجرد الرفض الهادئ، إذ إن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي يتناولان مسألة التطبيع مع السعودية بكل ثقة ويبشران دائما بأنها قاب قوسين أو أدنى. لكن في الحقيقة، جاء الرد السعودي على دعوة التهجير قويا وقاطعا وصارما ومباشرا فوق العادة، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ألقى خطابا يوم 18 سبتمبر/أيلول الماضي خلال قمة الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكد فيه سعي بلاده وعملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية كشرط لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
تأسيسا على هذا الموقف الرسمي، وردا على تصريحات ترامب التي قال فيها إن السعودية لا تطالب بدولة فلسطينية، أصدرت الخارجية بيانا صارما أكدت فيه أن موقف المملكة من الدولة الفلسطينية راسخ وثابت، وليس محل تفاوض أو مزايدات، وشدد بيان الخارجية السعودية على ما سبق أن أعلنته المملكة من رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإضافة إلى ما نشره العديد من الصحف السعودية عن رفض المملكة القطعي لدعوة التهجير، نشر موقع «ذا ناشيونال» رسالة نارية تكتب بماء الذهب، للأمير تركي الفيصل سفير السعودية الأسبق لدى واشنطن ولندن، ورئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، أرسلها إلى الرئيس الأمريكي، تضمنت عدة نقاط جوهرية أختصرها في ما يلي:

الموقف السعودي هو حجر الزاوية في ملف القضية الفلسطينية، والفرصة سانحة لكل الدول العربية والإسلامية في التأسيس على موقف المملكة لتشكيل موقف موحد صارم رافض للتهجير

الشعب الفلسطيني ليس مهاجرا غير شرعي ليتم ترحيله إلى أراض أخرى (يعرض بالمهاجرين اليهود)..
معظم سكان غزة طردوا من منازلهم من الضفة والأراضي التي تعرف الآن بإسرائيل، وإذا كان من المقرر نقلهم فيجب السماح لهم بالعودة إلى أراضيهم التي هجروا منها..
لم ترغب أمريكا وبريطانيا في استقبال ضحايا المحرقة، وأرسلتهم إلى فلسطين، والملك عبد العزيز بن سعود اقترح عليهم نقل اليهود إلى ألمانيا..
العنف والدماء نتيجة التواطؤ البريطاني والأمريكي مع الأحلام الصهيونية، وبريطانيا وأمريكا مسؤولتان عن التطهير العرقي الذي قام به المهاجرون اليهود ضد الفلسطينيين..
إعطاء الفلسطينيين حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير ودولة عاصمتها القدس الشرقية، كما هو منصوص عليه في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 و194 وقراري مجلس الأمن 242 و338 ومبادرة السلام العربية..
وعندما يدلي رجل بحجم الأمير تركي الفيصل بمثل هذه الكلمات، فإنها تعبر قطعا عن التوجه الرسمي للمملكة. وفي الوقت نفسه، أكد السفير السعودي لدى بريطانيا الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز، أن المملكة لن تمضي قدما في تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بتحقيق السلام العادل والشامل، مشددا على أن إقامة دولة فلسطينية هو الحل الوحيد لإنهاء عقود من المعاناة.
وقبل كتابة هذه السطور، قرأت بيانا طازجا للخارجية السعودية، أصدرته أمس الأحد، بعدما أعاد نتنياهو الحديث عن ضرورة نقل الفلسطينيين من قطاع غزة، وجاء البيان قويا شديد اللهجة يؤكد على ما تؤكد عليه المملكة دائما. استخدم البيان تعبيرات قوية منها وصف تصريحات نتنياهو بأنها تستهدف «صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي». وفي أكثر من موضع، وصف البيان العقلية الإسرائيلية بأنها عقلية متطرفة، وأن الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين خالية من الشعور الإنساني والمسؤوليات الأخلاقية، وشدد على أن «الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم».
الموقف السعودي القوي ضد التهجير، أيدته دول عربية أبرزها مصر والإمارات، مع انتقاد الاحتلال في التصريحات العدائية ضد السعودية.
يتزامن هذا الرفض الصارم للتهجير الذي أعلنته المملكة، مع تناقض الموقفين السعودي والإسرائيلي من الملف السوري، إذ أنه في الوقت الذي راهن الاحتلال على تفكيك سوريا ودعم الحركات الانفصالية فيها لضمان تمدد النفوذ الصهيوني، اتخذت السعودية موقفا مغايرا، حيث راهنت على سوريا موحدة وتلاقت مع الحكومة الجديدة وأيدتها، وحذرت من التدخل الأجنبي في الشأن السوري.
السعودية دولة قوية تحتاجها الولايات المتحدة، ومن ثم تملك المملكة أوراق ضغط تمكنها من الثبات على موقفها في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وفي رأيي إن إعلان السعودية رفضها للتهجير والإصرار على احتواء القضية الفلسطينية في هذا التوقيت الحرج وبهذه اللهجة الواضحة القوية، يبدد آمال ترامب ونتنياهو في التطبيع معها دون تحقيق شرط قيام دولة فلسطينية، ومن ثم إذا كانت هناك مراجعات فسوف تكون من جانب الإسرائيليين والأمريكيين، الذي يظهر حتى الآن من ثبات الموقف السعودي، أن ملف التطبيع مع السعودية سوف يتم إرجاؤه.
الموقف السعودي هو حجر الزاوية في ملف القضية الفلسطينية، والفرصة سانحة لكل الدول العربية والإسلامية في التأسيس على موقف المملكة لتشكيل موقف موحد صارم رافض للتهجير، وتدشين تحالف دولي ضاغط على الكيان الإسرائيلي للقبول بالحد الأدنى من المطالب الفلسطينية وهو حل الدولتين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


كاتبة أردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد