هتلر جديد يطل برأسه

mainThumb

06-02-2025 02:37 PM

بغض النظر عمّا إذا كان مشروع ترامب في الشرق الأوسط، الذي يهدف إلى تهجير ما يقارب مليوني إنسان من قطاع غزة، محاولةً لرفع السقف السياسي و انتزاع تنازلات من الدول العربية، أو سعي لدغدغة مشاعر اليمين العنصري في إسرائيل او مجرد فكرة غير واقعية، يعتبرها كثيرون ضربًا من الخيال، أو حتى مشروعًا جديا، فإنه يكشف عن سياسة نازية لا تقل وحشية عن جرائم هتلر في الهولوكوست. ووفقًا لمحكمة نورمبرغ، التي تشكّلت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين في ألمانيا، فإن مشروع ترامب يندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية، ويستحق المحاكمة عليه لو نفذه.

إن المشروع الجهنمي الهادف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه وتحويله إلى منتجعات سياحية تدرّ الأرباح على الشركات الرأسمالية الأمريكية والإسرائيلية وغيرها، ليس الدليل الوحيد على تطابق سياسة الإدارة الأمريكية مع سياسة الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر في سعيه لغزو العالم. فتصريحات دونالد ترامب حول استخدام القوة العسكرية ضد بنما، واحتلال مقاطعة غرين لاند التابعة لدنمارك، والتهديد بضم كندا لتصبح الولاية الحادية والخمسين لأمريكا، وفرض الضرائب على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إذا لم تستجب هذه الدول لشروطه في إبرام اتفاقيات تخدم الولايات المتحدة، ورفعه شعار "فرض السلام بالقوة"، الذي يعني في جوهره "سلام البلطجية"، كلها تعكس استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة الهادفة إلى تعزيز مكانة الولايات المتحدة في النظام العالمي وإنقاذ هيمنتها المتراجعة.

لقد كانت سياسة هتلر تسعى إلى إعادة تموضع ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ولعبت الأزمة الاقتصادية التي ضربت النظام الرأسمالي عام 1929 دورًا كبيرًا في تمهيد الأرضية لصعود الأحزاب الشعبوية واليمينية، تمامًا كما هو الحال في صعود دونالد ترامب.

بعبارة أخرى، جاء هتلر إلى السلطة كما جاء ترامب، عبر خطاب شعبوي عبّر عن الأزمة الاقتصادية الداخلية وعن تراجع مكانة الدولة في النظام العالمي. فكما أدت الأزمة الاقتصادية إلى إغلاق المصانع وارتفاع معدلات البطالة في ألمانيا إلى 30%، مما تسبب في انتشار الفقر والبؤس، صعد هتلر مستغلًا هذا الواقع، ورفع شعار "الانتقام للكرامة الألمانية". وبنفس الأسلوب، وفي ظل ظروف أزمة اقتصادية وان لا تصل درجتها إلى ما وصلت اليها ألمانيا في تلك الفترة، تسلّق ترامب إلى السلطة، معلنًا أنه "سيجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، من خلال سياسة البلطجة.

في خطاب تنصيبه، أشاد ترامب كثيرًا بالرئيس الأمريكي الخامس والعشرين، ويليام ماكينلي، الذي أشعل الحرب ضد إسبانيا عام 1898 للاستحواذ على مستعمراتها، حيث احتلت الولايات المتحدة جزيرة غوام وهاواي والفلبين وبورتوريكو، وأجبرت إسبانيا على الخروج منها، مع فرض ضرائب على السلع المستوردة من الدول الغربية. يحاول ترامب المزج بين نهج هتلر العنصري وسياسة ماكينلي التوسعية، فهو قريب من فكر النازية بقدر قربه من النهج السياسي والعسكري لماكينلي. وكما ضرب هتلر عرض الحائط جميع الاتفاقيات مع الدول الأوروبية، وأعلن الحرب عليها بحجة إعادة الهيبة لألمانيا، يسير ترامب على النهج ذاته تجاه حلفاء الولايات المتحدة، رافعًا شعار "أمريكا أولًا".

وبغض النظر عن نجاح سياسات ترامب من عدمه، فإن هذه السياسات تظل جزءًا من طبيعة النظام الرأسمالي، وهي منهج سياسي متكرر في العلاقات بين الأقطاب الإمبريالية العالمية، تتصاعد منحنياتها أو تتراجع وفقًا لمقتضيات الصراع على النفوذ السياسي والاقتصادي. غير أن الخطر الحقيقي في هذه السياسة يكمن في تعزيز النزعات القومية المحلية عالميًا، وإعادة إنتاج الإسلام السياسي كفكر وبديل سياسي، يستغل المظالم القومية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لتبرير وجوده وتوسيع نفوذه.

وفي كلتا الحالتين، سواء النزعة القومية المحلية أو الإسلام السياسي، فإنهما يشكلان خطرًا على الحركات الداعية للمساواة والعمالية والنسوية، حيث يسعيان إلى تحريف مسار نضالها أو الالتفاف عليه وتفريغه من مضمونه.

إن مواجهة سياسة ترامب، وخاصة مشروعه المتناغم مع المشروع الفاشي الإسرائيلي الهادف إلى تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته، تُعدّ مسألة محورية وأساسية في أولويات النضال، وخاصة بالنسبة للطبقة العاملة على الصعيد العالمي، التي لها مصلحة مباشرة في مواجهة السياسات الإمبريالية للإدارة الأمريكية الجديدة. فهذه الإدارة، عبر دعايتها المضللة، تحاول إخفاء الجوهر الحقيقي للنظام الرأسمالي العالمي، الذي لا يمكن أن يستمر دون فرض كل أشكال الظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقومي والعرقي والجنسي والديني وشن الحروب من أجل الهيمنة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد