الأردن ورفض صفقة التهجير

mainThumb

05-02-2025 09:58 PM

منذ عقود، ظل الأردن صخرة صامدة أمام كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية أو العبث بملفاتها الجوهرية، وعلى رأسها حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم. واليوم، ومع تصاعد الأوضاع في غزة، عاد الحديث عن تهجير الفلسطينيين، ولكن هذه المرة عبر مقترح قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طالبًا من الأردن ومصر استقبال اللاجئين من القطاع كحل للأزمة الإنسانية هناك.

جاء هذا الطلب في سياق رؤية أحادية لا تراعي التاريخ، ولا تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والديموغرافية التي تحيط بالقضية، إلا أن الرد الأردني جاء حاسمًا وقاطعًا: لا مكان للتهجير، ولا تنازل عن الحق الفلسطيني في أرضه. لطالما شكّل الأردن ملاذًا للفلسطينيين، لكنّه كان ولا يزال مؤمنًا بأن الحل الحقيقي لا يكمن في تهجيرهم، بل في تمكينهم من حقوقهم في وطنهم. تصريح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي أكد أن موقف المملكة ثابت لا يتغير، لم يكن مجرد رد دبلوماسي، بل كان تأكيدًا على التزام تاريخي بمساندة القضية الفلسطينية ورفض أي مخططات لتذويبها عبر مشاريع التوطين.

الأردن يدرك جيدًا أن أي قبول بهذا الطرح لن يكون مجرد حل إنساني، بل خطوة خطيرة نحو تصفية القضية، وإلغاء حق العودة، وتحويل التهجير إلى أمر واقع لا رجعة فيه. ليس غريبًا أن يأتي هذا المقترح من ترامب، فالرئيس الأمريكي الحالي لطالما اتخذ مواقف منحازة لإسرائيل، بدءًا من الاعتراف بالقدس عاصمة لها، مرورًا بنقل السفارة الأمريكية إليها، وصولًا إلى “صفقة القرن” التي حاولت تقويض الحقوق الفلسطينية مقابل وعود اقتصادية. من هذا المنطلق، فإن طلبه من الأردن ومصر استقبال اللاجئين ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل الضغط على الدول العربية لإفراغ فلسطين من أهلها وتكريس الاحتلال كأمر واقع.

في مواجهة هذه الضغوط، يحتاج الأردن إلى استراتيجية متكاملة لا تقتصر على الرفض الدبلوماسي فقط، بل تتعداها إلى خطوات عملية تعزز من موقفه، وأهمها تعزيز التحالفات الإقليمية من خلال تشكيل جبهة عربية موحدة ترفض بشكل قاطع أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، وتؤكد على الحل العادل القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أن التحرك الدبلوماسي الدولي ضروري، إذ يجب على الأردن تكثيف جهوده في المحافل الدولية، بدءًا من الأمم المتحدة وصولًا إلى الاتحاد الأوروبي، لشرح خطورة هذا الطرح وتداعياته على الأمن الإقليمي، وحشد التأييد الدولي لمنع فرض حلول تعسفية على حساب الفلسطينيين.

إلى جانب ذلك، ينبغي دعم صمود الفلسطينيين في غزة، فبدلاً من تهجير السكان، يجب على المجتمع الدولي دعم مشاريع تعزز من استقرارهم داخل أراضيهم، من خلال المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، ورفع الحصار الإسرائيلي الذي جعل من القطاع بيئة طاردة للحياة. كما أن إدارة العلاقة مع واشنطن بحذر أمر بالغ الأهمية، فبالرغم من اختلاف المواقف، يظل الأردن حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، ولذلك ينبغي التعامل مع طلب ترامب بحكمة دبلوماسية، بحيث يظل الرفض حاسمًا ولكن دون خسارة قنوات التواصل مع الإدارة الأمريكية، خاصة مع احتمالية تصاعد الضغط السياسي مستقبلًا. يمكن للأردن استغلال هذه العلاقة للضغط باتجاه حلول أكثر عدالة، بدلًا من حلول قائمة على التهجير القسري.

الأردن، الذي ظل لعقود صوتًا قويًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لن يكون يومًا بوابة للتهجير، ولن يسمح بأن يكون جزءًا من أي مخطط يقضي على حق الفلسطينيين في أرضهم. رفض الطلب الأمريكي لم يكن مجرد موقف سياسي عابر، بل هو امتداد لموقف مبدئي لا يتزعزع، يرى أن الحل يكمن في إنهاء الاحتلال لا في تشريد شعب بأكمله. وبينما يحاول ترامب فرض رؤيته على المنطقة، يبقى الأردن، بقيادته وشعبه، صامدًا أمام كل الضغوط، متمسكًا بثوابته، مدافعًا عن فلسطين كما كان دائمًا.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد