«البُغْية» في الفضاء القَسَنْطِينِي الاجتماعي-الفنّي
قصيدة [البُغْية] (ما يبغيه الإنسان ويشتهيه) لجاب الله بن ساعد البوني، لم تولد من فراغ، ولكنها تأسست على واقع مجتمعي معقد، محافظ ثقافياً، لكن تخترقه بعض الممارسات التي تضيق على النزعة المحافظة وتهوّيها، فجعلت من المجتمع القسنطيني مساحة حيّة بموسيقى، المالوف وطبوع أخرى، وألعاب البارود، وحتى أماكن الشرب والكيف واللهو.
على الرغم من ارتباك تواريخ [البُغْية] وتضاربها فإن بعض الكتب التي درست شخصية الشاعر والفنان جاب الله بن ساعد، اقتربت كثيراً من التاريخ الذي استوحته وهو في عنابة وفي هجراته بين الجزائر وتونس والشخصيات التي تعرف والتي تم تحديد فترتها. لهذا، أعتقد أن تاريخ 1827 هو الأقرب إلى الصواب. نحن إذن ما بين حقبتين، نهايات العهد العثماني، وبداية الفترة الاستعمارية الفرنسية (1830)، وضعتا المجتمع القسنطيني تحت تجاذبات كثيرة، وتأثيرات ثقافية وموسيقية متعددة جعلتها تدخل البيانو وآلات أخرى إلى المالوف الإشبيلي.
للأسف، المحافظة كثيراً ما انقلبت إلى جحيم للفنانين، وكانت وراء الكثير من المآسي، ما دفع بالكثيرين من خلق مجتمعات موازية. يمكننا، في هذا السياق، أن نتحدث عن مجتمع آخر شبه سري، مجتمع مرفوض علناً، لكن الكل يعرفه، مجتمع الكيف والخمرة والنساء، وهو ما يذكره الشاعر/ الفنان جاب الله بوضوح في قصيدته عندما يذكر أنه تخلى عن الخمرة والنساء، مما يسمح لنا بتحديد الإطار العام للقصة والاقتراب منها إلى بالكثير من الموضوعية التاريخية.
تأطير هذا المجتمع مهم جداً، لأن في داخله نشأت قصة [البُغْية] التي تغنّى بها الكثير من الفنانين. إذ كيف تنشأ قصة حب مكشوفة تقريباً، بين نجمة المحكومة بالطقس العائلي والعاشقة، وجاب الله العاشق المجنون الذي لم يفكر جيداً في المخاطر المترتبة على السهر مع أصدقائه الذين كان من بينهم قريبها (حاتم؟) الذي تعود السهر معهم، وإظهار خصلة الشعر المرصعة بجوهرتين كانتا سبباً في الفاجعة لأن قريبها عرفهما وعرف خصلتها الشقراء. فوشى بهما إلى والد نجمة وابن عمها، ما تسبب لاحقاً (افتراض) في الإسراع في تزويجها بابن عمها (عبد الكريم؟) الذي ظلت ترفضه.
واضح أن قصة [البُغْية] تدور أحداثها في مجتمع مختلط، تتداخل فيه عرقيات وثقافات وديانات كثيرة ومختلفة، وأحياناً متضاربة. أولاً العثمانيون الذين احتلوا الوظائف الحربية، والقيادة في تسيير الدولة. ثانياً المولدون، الكوروغلية، الذين كانوا أقل رتبة من العثمانيين، ولكن أوفر حظاً اجتماعياً من العرب والعبرانيين (اليهود). وهم يشكلون مجتمع المدينة الإقطاعي والغني الذي كان يعيش رفاهاً حقيقياً. والد نجمة الشيخ حسن بن الحسين كان أحدهم. كان مؤثراً في المشهد المجتمعي القسنطيني، ومقرباً من النظام العثماني. ثالثاً، العرب الأصليون أو القادمون من الضواحي ومدن مختلفة محيطة بقسنطينة أو بعيدة، يشتغلون في الفلاحة والمهام الصعبة. رابعاً، العبرانيون (اليهود) المهتمون أساساً بالتجارة، يشكلون نسبة مهمة من مكونات المجتمع القسنطيني. وقد لعبوا دوراً مهماً في انتشار فن المالوف وغيره. كانوا وراء تكوين فرق فنية غنائية كثيرة، تنشط الأعراس وحفلات الختان أو في المقاهي، على رأسهم الشيح ريمون ليريس ويمكن إضافة سيمون طمار وأليس فيتوسي وغيرهم. نفترض أن جاب الله الذي جاء إلى قسنطينة لتعلم فن التطريز، انغمس بسرعة في مجتمع الموسيقى والتأليف الشعري، قبل أن يعود إلى مدينته عنابة ويلتحق بالفرق الموسيقية، الدينية الصوفية، والفنية والأعراس في بونة وتونس إذ كانت هذه الأخيرة فضاء مفتوحاً وحراً. كما فعل الشيخ الكرد بعده بسنوات.
هناك ثلاث عادات ذكرتها القصيدة بشكل واضح أو لمحت لها: أولاً سهرات الشرب والمتعة ولعبة الحب أثارها الشاعر بوضوح لا لبس فيه في قصيدته [البُغْية]، ويمكن اعتمادها بوصفها حقيقة. عادة التفاخر بالحبيبة أمام مجموع الأصدقاء الساهرين، في لحظات الشرب والكيف والتسلية والفرح، كانت هذه واحدة من العادات بين الشباب الذين يقضون سهراتهم وراء أسوار المدينة، وينهون الجلسة بالتفاخر، فيبرز كل واحد دليله من حبيبته يثبت من خلاله حقيقة حبها له؛ واحد يضع جزءاً من ضفيرة حبيبته على الطبق، وآخر يضع خاتماً أو قرطاً، محرمة مطرزة باسمه بيد حبيبته، سلسلة عنق ذهبية، إسورة… والذي لا يثبت كلامه بالدليل، يعد كاذباً فيتحول إلى مسخرة بين أترابه. تقول القصيدة الشعبية إن جاب الله بن ساعد انسحب من المجموعة وركض نحو حبيبته، وطلب منها أن تمنحه شيئاً يفاخر به أمام أصدقائه. في القصيدة شيء من المبالغة وإلغاء للزمنية. من الصعب أن يركض بسرعة فائقة نحو حبيبته ويطلب منها شيئاً وهي محاطة بالعسس، وتدلّي له من الأعلى حزامها وبه خصلتها المضفورة والمرصعة بجوهرتين. ربما يكون قد تسلم الهدية قبل ذلك بيوم استعداداً للمنافسة، ثم تردد في وضعها على الطبق قبل أن يقرر فعل ذلك، ليثبت أن ما قاله حقيقة. ما حدث لاحقاً كان كارثة، لأن حاتم أخبر عمه وخطيبها بما رآه، لتبدأ المطاردة التي انتهت بقتل الشاعر. ثانياً، طلب المال من الميسورين لمساعدة الفقراء. فإذا اخذنا كلام الدكتور هيشور كشهادة، على الرغم من أنه لم يستند في حكمه إلى أي مرجع في تحليله، تكون هذه العادة قد وجدت حقيقة في المجتمع القسنطيني، لكنها سرعان ما اندثرت في الفترة الاستعمارية. تتلخص هذه العادة في خروج نساء المدينة من الطبقات الميسورة مالياً، مرة في السنة، في حلقات، ويتوجهن نحو محلات بيع الذهب والألبسة والحرير وغيرها في المدينة القديمة، ويطلبن من التجار الكبار مساعدة الفقراء بما تيسر من مال، يجمعنه طوال اليوم، وفي المساء يوزعنه على الفقراء. ويبدو واضحاً أن أول لقاء بين جاب الله الشاب ونجمة تم هناك بالصدفة، حينما دخلن في محل اليهودي الذي كان يتعلم جاب الله عنده مهنة التطريز. رآها لأول مرة فوضع في طبقها ما كان في جيبه من مال. تنبهت نجمة فجأة للألبسة المطرزة والمعروضة في المحلّ، سألته عن التطريز إذا كان من صنع يده، قال نعم. هو يعمل لصالح صاحب المحل، ووعدها بتطريز لباس قسنطيني لها. ظنته يمزح، لكنه سرعان ما استأذنها لأخذ مقاسات صدرها وحزامها. لم يخف إعجابه بها. كانت سعيدة وهي تتحرك يميناً وشمالاً حتى تكون المقاسات دقيقة. شعرت نجمة بقربه واستغربت في استجابتها له. منذ تلك اللحظة أصبحت تلتقي به في محل التطريز. عرف أنها مخطوبة من ابن عمها، وأنها ترفضه بقوة. وأكدت له أنها ستنتحر إذا ألحت العائلة عليها. ثالثاً، الأعراس وحفلات الختان، تحييها الفرق الموسيقية المحلية أو القريبة.
على الرغم من الطابع المحافظ لسكان مدينة قسنطينة، فإن العائلات الميسرة ظلت تحتفي بموسيقى المالوف وغيره من الطبوع ذات الأصول الأندلسية في الأعراس وفي حفلات الختان وحتى في بعض المقاهي الشعبية. الشيخ حمو، والد ملك المالوف، الشيح الطاهر فرقاني، كان ينشط، في عشرينيات القرن الماضي، حفلات الأعراس والختان والمواسم الدينية. والفنان/ الشاعر جاب الله بن ساعد، لم يخرج عن هذه التقاليد، فقد أحْيا مثل هذه الحفلات الفنية في عنابة ومحيطها وفي الكاف بتونس، وربما كان ضحية هذه السهرات، إذ استجاب لطلب حبيبته لكي يحيي حفل ختان ابنها، لكن اتضح فيما بعد أن الأمر كان مجرد مصيدة لسحبه من عنابة إلى قسنطينة للإجهاز عليه. وهو ما تم. في قصيدته يتحدث عن [مرسول] (رسول) وليس عن رسالة كما يعتقد الكثيرون، ويكون هذا الأخير قد أقنعه بالعودة إلى قسنطينة بعد غياب ثلاث سنوات، تلبية لطلب حبيبته التي كانت قد تزوجت قهراً من ابن عمها.
العراق يشكل فريقًا أمنيًا لملاحقة المعتدين على السوريين
استبعاد علوان من قائمة المنتخب الوطني بسبب الإصابة
الحالة الجوية ودرجات الحرارة المتوقعة الأربعاء
بروسنان يعبر عن فخره بلعب دور جيمس بوند
وزيرة الاستيطان: علينا أن نطرد حماس من غزة
اليرموك تطلب تعيين أعضاء هيئة تدريس
صدمة في أروقة اليرموك .. تهديد الحريات الأكاديمية ونداءات للقيادة الهاشمية للتدخل
رسائل نصية غامضة تصل لهواتف السوريين .. ما القصة؟
إخلاء مفاجئ لطلاب اليرموك بعد الرابعة عصرًا .. ما الذي يجري
بيان ناري لحراكيي اليرموك: تصاعد الاحتجاجات وشيك .. أسماء
الحراك الطلابي في اليرموك يقرر الإنضمام لوقفات الأكاديمين الاحتجاجية
ضبط منشأة تبيع القهوة في نهار رمضان بإربد
أمانة عمان تعلن عن حاجتها لموظفين .. رابط
ترند الخريس يحرق سيارة في العقبة ويثير الذعر .. فيديو
هام من الضريبة بخصوص صرف الرديات
رئيس جامعة اليرموك يتراجع عن تعميمه وسط تصاعد الاحتجاجات
أردنيون مطلوبون للقضاء .. أسماء ومواعيد
النواب يرفض فصل المتحرش من العمل
منطقة أردنية تسجل أعلى كمية هطول مطري