تصريحات تبون حول فلسطين .. بين الضغوط الدولية والثوابت الجزائرية

mainThumb
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

03-02-2025 03:08 PM

عمان - السوسنة - محرر الشؤون العربية - في تصريح أثار جدلًا واسعًا، أعاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إحياء النقاش حول الموقف الجزائري من التطبيع مع إسرائيل، معلنًا استعداد بلاده للاعتراف بالكيان الصهيوني "في اليوم ذاته الذي تُقام فيه دولة فلسطينية كاملة". جاءت التصريحات خلال حوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، في سياق يُقرأ كرسالة موجهة للإدارة الأمريكية الجديدة، بينما تُواجه الجزائر ضغوطًا دولية متزايدة للانضمام إلى مسار التطبيع العربي الذي قادته "صفقة أبراهام".
سياق التصريح: بين المبادرة العربية والرهان الأمريكي
أكد تبون أن موقفه يستند إلى مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي تقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مقابل اعتراف عربي بإسرائيل. وأشار إلى سير بلاده على نهج سابقيه الرئيسين الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة، الذي رفض التطبيع دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
لكن التوقيت يلفت الانتباه؛ فالتصريح يأتي مع تولي إدارة بايدن – التي تُشدِّد على حل الدولتين – وزيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن للجزائر عام 2022، حيث سمع منه تبون موقفًا مماثلًا. يُرجح مراقبون أن الجزائر، عبر هذا الطرح، تُحاول تفادي الضغوط الأمريكية المباشرة، مع الحفاظ على خطاب متوازن يرضي الشارع العربي المُعارض للتطبيع.
ردود الفعل الداخلية: الإسلاميون واليسار في خندق الرفض
تصدّرت حركة مجتمع السلم (حمس)، أكبر الأحزاب الإسلامية، موجة الرفض الداخلية، معتبرةً في بيان أن "الضغوط الأمريكية تهدف إلى جر الدول الصامدة إلى مستنقع التطبيع". وذكّرت الحركة بتصريحات سابقة لتبون وصف فيها التطبيع بـ"الهرولة المرفوضة"، مُحذرةً من أي انزياح عن الثوابت التاريخية للجزائر الداعمة "لفلسطين من النهر إلى البحر".
من جانبه، هاجم عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لـ"حمس"، فكرة ربط التطبيع بإقامة الدولة الفلسطينية، واصفًا إياها بـ"المخيفة"، في إشارة إلى خطط التهجير القسري التي يُروج لها بعض الساسة الأمريكيين. كما انضم حزب العمال (يساري) إلى ساحة الاعتراض، داعيًا إلى التخلي عن المبادرة العربية للسلام ووصفها بـ"مخطط الاستسلام".
السياق الإقليمي: الجزائر.. الحصن الأخير؟
تُعَد الجزائر من أبرز الدول العربية الرافضة للتطبيع، إلى جانب دول مثل العراق ولبنان. لكن تصريح تبون يُضيء على إشكالية سياسية أكبر: هل يمكن أن تشهد الجزائر تحولًا تدريجيًا في سياستها، كما حدث مع المغرب والسودان؟
يرى محللون أن الجزائر تدرك أن إسرائيل لن تقبل أبدًا بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67، مما يجعل طرح تبون "ذكيًا" من ناحية دبلوماسية، كونه يُظهر مرونة شكلية تُجنب البلاد مواجهة الضغوط الغربية، دون تقديم تنازلات فعلية. لكن هذا الطرح قد يُضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني، وفقًا لانتقادات بعض الخبراء.
التحديات المستقبلية: بين الهوية والواقعية السياسية
تُواجه الجزائر معضلةً في التوفيق بين ثوابتها التاريخية – التي جعلت منها رمزًا للقضايا التحررية – ومتطلبات الواقع الجيوسياسي، خاصة مع تحالف إسرائيل المتنامي مع دول الجوار الإفريقي مثل المغرب. كما أن التقارب الجزائري-الإيراني، الذي تُصوره بعض الأطراف الإقليمية كتهديد، قد يُغذي ضغوطًا غربية إضافية لدفع الجزائر نحو "التطبيع التدريجي".
تصريحات تبون لا تعكس تحولًا جذريًا في الموقف الجزائري، بقدر ما تُجسّد محاولة للالتفاف على الضغوط الدولية عبر خطاب دبلوماسي مرن. لكنها كشفت عن هشاشة التوافق الداخلي حول القضية الفلسطينية، حيث تتصاعد الأصوات الرافضة لأي مسار تفاوضي، حتى لو كان رمزيًا. في هذا السياق، تظل الجزائر أمام امتحان عسير: كيف تحمي هويتها الثورية دون أن تُغلق الأبواب أمام تحالفات قد تُخفف من عُزلة اقتصادية وسياسية متصاعدة.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد