من سرق شِعر النّساء
رغم كل الكتابات الورديّة عن دور المرأة في الإبداع الشعري العربي، ومكانتها الأدبية، وحجم ما تركته من مدونات شعرية، بالغ البعض في اعتبارها مساوية لما وصلنا من شعر الرجل، إلا أن الواقع مغاير لهذا التعميم، فكلّ ما وصلنا من شعر المرأة من الجاهلية إلى بداية ظهور الطباعة لا يجاوز من ناحية الكم حجم ديوان واحد لشاعر مكثر كابن الرومي أو أبي نواس، بل وجدت أثناء إعداد كتابي «شعر المرأة في ألف عام» فراغات تمتد على مساحة القرن والقرنين لم أعثر فيها على شعر للمرأة، خاصة في فترة ما عرف بعصر الانحطاط. ولنا أن نتخيل أن أشهر شاعرة عربية وهي الخنساء لم يصلنا من شعرها إلا قرابة الستمئة بيت، فكيف بمن هنّ دونها؟
وحسبنا دلالة على قلة ما وصلنا من شعر المرأة أن المطبوع من دواوين النساء قبل عصر النهضة لا يجاوز عشرين ديوانا أغلبها مجاميع صغيرة من صنع المحققين والجامعين، في حين أن دواوين الرجال المطبوعة تعدّ بالمئات إن لم تكن بالآلاف. وهذه الحقيقة المدعّمة بالأرقام يتولّد عنها سؤال جوهري: ما سبب قلة الشعر النسوي؟ بعد أن نتفق على مسلّمة هي أنّ «الشعر العربي النسائي مهضوم الحق، مهيض الجناح قديما وحديثا»، مع أن بعض الأخبار التي وردتنا نستشف منها أن شعر المرأة كان متداولا محفوظا، فهذا أبو نواس يقول: «ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء وليلى»، وكذلك ما روي عن أبي تمام أنه قال: «لم أنظم شعرا حتى حفظت سبعة عشر ديوانا للنساء خاصة دون الرجال»، فأين هذه الدواوين التي حفظها؟ ولماذا لم يثبت في «حماسته» إلا القليل من أشعار النساء؟ وهو ليس استثناء في هذا فكل مجاميع الشعر القديمة غيّبت شعر المرأة، ففي «المفضّليات» ذُكرت شاعرة واحدة من بين سبعين شاعرا اختار المؤلف أشعارهم، وهذا راوية العرب الشهير الأصمعي، يذكر شاعرة واحدة أيضا من بين سبعين شاعرا في «الأصمعيات». وهذا الإهمال نجِدُه في كلِّ مَجاميعِ الأدبِ ودواوينِه الكُبرى. فعند ابن سلام في «طبقات فحول الشعراء» لا نجد شاعرة واحدة استحقت شرف الذكر في طبقاته العشر، مع أنه شهد بتفوّق ليلى الأخيلية على النابغة الجعدي.
وقد حاول كثير من الباحثين تبرير هذا الإجحاف بحق المرأة الشاعرة، حتّى أن أحمد محمد الحوفي، ذكر لقلّة ما وصلنا من شعر المرأة أسبابا سبعة، أهمها أن رواة الشعر القدامى كان اهتمامهم في جمع الشعر منصبّا على تتبّع غريب اللغة و»شعر النساء قليل الغريب، فلم يحفل الرواة بروايته وإذاعته»، وهذا سبب واهٍ فالرجل الأعرابي كالمرأة الأعرابية كلاهما يتحدّث اللغة ذاتها، ويستعمل المفردات نفسها، ولغة بعض الشاعرات لا تقلّ جزالة واستعمالا للغريب من لغة الشعراء الأعراب، بل هذا مما تُؤاخذ عليه المرأة الشاعرة إذ تماهت مع الرجل وأغفلت خصوصياتها. ومن الأسباب التي ذكرها الحوفي، أن الشعر الجاهلي، فُقد كثير منه فبالتالي ضاع كثير من شعر النساء معه، ولكن هذا يقودنا إلى التساؤل عن شعر المرأة في العصر العباسي وقد كثر التدوين، أو شعر المرأة في عصر الدول والإمارات وفيه كثر التأليف الموسوعي في التراجم وسير الأدباء، ما هو حجم نصيب الشواعر من هذه الوفرة؟
وفكرة ضياع شعر المرأة لها ما يدعمها في الواقع، فالسيوطي في كتابه «نزهة الجلساء» يقول عن الشواعر: «إن ابن الطراح جمع كتاباً في أخبار النساء الشواعر من العربيات اللاتي يستشهد بشعرهن في العربية، فجاء في عدة مجلدات، رأيت منه المجلد السادس، وليس بآخره». وقد أحصى صلاح الدين المنجد في مقال له بعنوان «ما ألّف عن النساء» أكثر من سبعين كتابا في أدب النساء أغلبها ضاع. مع ملاحظة أنه بقدر فقدان هذا الكم من شعر النساء فقد ضاع معه أضعافه من شعر الرجال، فتبقى النسبة نفسها.
ولعل أقرب سبب إلى الحقيقة هو تعصب الرجال لجنسهم، وفرض منطق الفحولة في الشعر، فابن سلام آثر متمم بن نويرة في الرثاء على حساب الخنساء، بل لم ير النابغة الذبياني من الخنساء سوى دموعها حين قال لحسان بن ثابت: «إنك لشاعر وإن أخت بني سليم لبكّاءة» يقصد الخنساء. ويبلغ هذا التعصّب أكثر صوره بشاعة في الجملة التي اشتهرت على لسان الفرزدق لمّا قيل له: إن فلانة تقول الشعر، فأجابهم: «إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها». هذه السلطة البطريركية هي التي حالت دون الالتفات إلى شعر المرأة وتدوينه. علما أن مدوّني الشعر في عصوره الأولى، بل والمتأخرة كلهم رجال. ولم نجد امرأة اهتمت بجمع شعر الشواعر أو التعريف بهن إلى نهاية القرن التاسع عشر، حينما ألفت زينب فواز كتابها «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور». فهو إهمال مزدوج إذن. فهؤلاء الرواة ساهموا في حجب شعر المرأة لمخالفتها لمعايير الشعر الجيد عندهم من فحولة وجزالة، ولأنهم رجال تربَّوا على عزل المرأة (ووأدها في الجاهلية)، ونستحضر قول سيمون دي بوفوار مع بعض التحفظ بأنّ «كل ما كتب عن المرأة من قبل الرجال يجب أن يثير الشبهات لأنهم خصوم وحكام في الوقت ذاته». فكانت الفحولة هي الهاجس الأول لدى الرواة يبحثون عنها ويحفظونها ويذيعونها، ويحجبون معها شعر المرأة، وما دامت المرأة تحتاج وسيطا لنقل شعرها ـ أي الراوي ـ بعكس الرجل الذي يحضر الأسواق ويفِد على الأمراء ويروي شعره بنفسه فهو صاحب المنتَج والمعلِن في آن واحد، لذلك لنا أن نتخيل الأفضلية التي يحوزها الشاعر على الشاعرة ابتداءً، خاصة أن الأغلبية الساحقة من النساء كن لا يكتبن، بل ويُمنعن من الكتابة أحيانا.
نتيجة هذا الواقع التراكمي، اقتفت الشاعرة أثر الرجل في الكتابة، فقالت شعرا لولا نسبته إليها لما عُرف قائله أهو امرأة أم رجل، فـ»إذا ما ظهرت امرأة واحدة نادرة وقالت بعض شعر، فلا بد لها أن تستفحل ويشهد لها أحد الفحول مؤكدا فحوليتها وعدم أنوثتها لكي تدخل على طرف صفحات ديوان العرب، وتتوارى تحت عمود الفحولة» كما أكد الغذامي في كتابه «تأنيث القصيدة»، ومن هنا نفهم الوصف الفج الذكوري الذي أطلقه بشار بن برد على الخنساء لوصف قوة شعرها حين قال: «لم تقل امرأة شعرا قط إلا تبين الضّعف فيه. فقيل له: أو كذلك الخنساء؟ فقال: تلك كانت لها أربع خصى». وهذا الوصف نفسه قاله عباس محمود العقاد بلغة معاصرة، محاولا إلباس فكرته الرجولية ثوبا علميا يرى فيه «قصور المرأة في الملكة الفنية والملكات الذهنية على تنوعها… فإذا نظمت المرأة الشعر فهنالك فارق محسوس بين شعرها وشعر الرجل في الجودة والطبقة».
ولعل أبعد سبب في قلة ما وصلنا من شعر المرأة ما ذهبت إليه الباحثة الكويتية سهام الفريح في قولها «لا خلاف في أن المرأة العربية مُقلّة في نظم الشعر في عصوره المختلفة… وسبب ذلك هو أن المرأة بطبيعتها منصرفة إلى أدوارها الأولى بوصفها أمّاً وزوجة وغير ذلك من الأدوار»، ويدحض هذه الفكرة عدد الشواعر في العصر الحديث، ووفرة إنتاج كثيرات منهن، فهامش الحرية الذي أتيح لها ووعيها بذاتها وأنها ليست صورة مستنسخة من الإبداع الرجالي، أفسح لها مجال القول والتعبير عن ذاتها. وأبطل فكرة أن «الأنوثة خرساء يحسن بها ويزيد جمالها وجاذبيتها أن تدع اللغة للرجل». سواء صح بعض هذه الأسباب أم صحّت جميعها، أم أن هناك أسبابا أخرى لم نعرض لها، وسواء لم تقُل المرأة شعرا كثيرا، أو قالت ولم يُروَ، فالنتيجة واحدة وهي قلّة ما وصلنا من شعر المرأة في العصور جميعها ما عدا عصرنا الحديث.
وتترافق مع ظاهرة القلة هذه ظواهر تابعة لها مثل إغفال ما يتعلق بالشواعر أنفسهن، فشعر المرأة يُذكر دون كثير اهتمام بقائلة الشعر، فكثير ما تواجهنا عبارات مثل: وقالت أعرابية، أو وقالت امرأة، أو جارية، أو غير ذلك من أساليب التنكير كنسبتها إلى قبيلتها أو أخت فلان وبنت عمّ علّان، فهل استكثر عليهن الرواة إبداعهن فهن حاشية على متن الرجل دائما؟ وحتى إذا ذكرن بأسمائهن فالمعلومات عنهن شحيحة، ويكفي أن شاعرة مثل خديجة بنت المأمون الخليفة، وهي الأميرة بنت الخلفاء العباسيين في عصر التدوين والترجمة والتأليف لا نعرف حتى تاريخ وفاتها فكيف بمن دونها، بل هناك من المؤلفين من يستكثر شعرا جيدا على امرأة فيشكك في نسبته لها أو ينسبه لشاعر. وحتى جواري العصر العباسي كنّ مجرد أسماء جميلة: محبوبة، تتريف، سكن، فضل، عنان. لا تفيدنا المصادر عنهن سوى أنهن جواري فلان وفلان، وفيهن من كن يغلبن فحول الشعراء ارتجالا وشاعرية وأخبارهن في كتاب «الأغاني» مع أبي نواس والعباس بن الأحنف وغيرهما مبثوثة. وهذا الإغفال للأسماء وللمعلومات الخاصة بالشواعر جزء من مظلومية الإبداع الشعري النسوي، الذي تواطأت فيه المرأة دون قصد منها في تعميقها، وكانت نتيجته هذه القلة من الأخبار والنصوص على حدّ سواء. لذلك يحقّ لنا التساؤل: من سرق شِعر النّساء؟
شاعرة وإعلامية من البحرين
الضمان تؤكد ضرورة ضبط العلاقة بين العامل وصاحب العمل
الاحتلال ينشر الرعب بين الفلسطينيين في طمون
النواب يُقر عددًا من مواد المخاطر الزراعية
ضبط 710 متسولاً ومتسولة الشهر الماضي
النائب ينال فريحات يدعو لمناقشة تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين
حقيقة ترحيل الأسيرة الأردنية المحررة أحلام التميمي .. فيديو
الصفدي: لا نتقصد الإساءة لوزير المالية
اعتماد العلوم والتكنولوجيا مركزًا دوليًا للتدريب الطبي المتقدم
مهم بشأن اسئلة امتحانات الثانوية العامة لهذه المباحث
أول إماراتية تفوز بلقب ملكة جمال الكوكب .. صور
أراضٍ بالأقساط للموظفين والمتقاعدين والجيش والأمن في الأردن .. رابط
عشرات المواطنين ترتبت عليهم مبالغ مالية يجب تسديدها .. أسماء
ولي العهد ينشر صورة برفقة الأميرة رجوة والأمير عبدالمتين وزوجته
إحالة الشبيلات للتقاعد .. قرارات مجلس الوزراء
إلزام وضع سارية علم أمام كل مبنى أو منزل يرخص جديدا .. تفاصيل
حبس فنانة مصرية بتهمة الفسق والفجور .. من هي
الحالة الجوية المتوقعة للأيام الثلاثة القادمة
مهم بشأن مشروع استبدال عدادات الكهرباء القديمة بأخرى ذكية
35 ديناراً سعر تذكرة الطائرة للعقبة و85 للقاهرة
غليان في اليرموك بعد تخفيض نسبة الموازي ودعوات الاحتجاجات تتصاعد