ماذا في جعبة ترامب

mainThumb

27-01-2025 01:30 PM

تغنّى وروّج الرئيس ترامب في رئاسته الأولى بشعار وممارسة طقوس «أمريكا أولاً»!! وفُسر شعاره بالانعزالية. وتسبب بقلق ومخاوف حلفاء أمريكا بانكفائها وتراجعها عن التزاماتها الدولية، ووضع مصالحها أولا على حساب الحلفاء وخاصة في قضايا الأمن والتجارة، وحتى فرض رسوم وضرائب على بضائع الحلفاء والجيران من كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والصين ومجموعة بريكس وغيرها.
لكن الرئيس بايدن أوقف تلك المبادرات والإجراءات بسبب ضررها على البيئة. وعاد الرئيس بايدن إلى اتفاق باريس للمناخ ـ وألغى الكثير من قرارات ترامب في رئاسة بايدن الوحيدة (2021/2025) ـ لكن بايدن فشل بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب ترامب منه. ولطالما فاخر بايدن أمام الحلفاء الأوروبيين الذين أصيبوا بالدهشة والصدمة من انعزالية طرح وخطاب ترامب في إدارته الأولى، بتأكيده «أمريكا عادت» لتقود النظام العالمي، وتطمئن حلفاءها بعودتها للقيادة والبقاء»!.. وكان بايدن يكرر ويطمئن الحلفاء المشككين وخاصة في حلف الناتو، رداً على تساؤلاتهم «كم ستطول عودة أمريكا»؟! بصيغة التشكيك.. ليعود ترامب وتعود المخاوف من سلوك إدارته وقراراته!
لم يتوقع الكثيرون عودة ترامب بتلك السرعة والتفويض الساحق، ولينتقم من الدولة العميقة بمؤسساتها التي سرقت انتصاره ولاحقته وأهانته! وكالت له الاتهامات الجنائية على مستوى الولايات والحكومة الفيدرالية واتهمته بالانقلاب على مبادئ وقيم الدستور والسعي لتزوير الانتخابات التي خسرها عام 2020 ويرفض حتى اليوم الإقرار بهزيمته. ولاحقته كذلك تهم جنائية مدنية. ووصل الأمر بتوجيه تهم لترامب وأسرته بالتكسب الشخصي وسوء إدارة مؤسسة ترامب، ومُنع من العمل وترؤس شركات في ولاية نيويورك. ولولا فوزه لكان أدين وسُجن… لكن ترامب عاد بقوة وفاز بالانتخابات في نوفمبر 2024 ـ وأنهى رئاسة بايدن ـ هاريس بشكل مقنع.
وعاد ترامب كما يفاخر وبتفويض مطلق بفوزه بالبيت الأبيض، وتشكيل حكومة وإدارة ومن وزراء وشخصيات مثيرة للجدل تدين له بالولاء والطاعة، وتتقدم على الخبرة والكفاءة. كما سيطر حزبه الجمهوري على مجلس النواب بأغلبية ضعيفة، وكذلك انتزع حزبه الأغلبية على مجلس الشيوخ. ما يعني السيطرة الكاملة على النظام السياسي الأمريكي والمصادقة على مرشحي إدارته كما نشهد بسهولة ويسر. ما يعزز قدرته على تحقيق أجندته بشكل سلس وبدون تحد وتعطيل من مجلس الشيوخ.

كما نجح ترامب في رئاسته الأولى وبشكل غير مسبوق بتعيين ثلاثة قضاة في المحكمة العليا ـ «أعلى سلطة قضائية ومحكمة في البلاد» ـ ما ضمن انحياز ثلثي أعضاء المحكمة ـ ستة قضاة ـ من تسعة إلى الجناح المحافظ. وهذا يضمن التفسير المحافظ والمتطابق مع أيديولوجية الجمهوريين الموالين لترامب ونهجه، بتفسير القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية حسب فكر ترامب وجماعة «MAGA». كما يمكن للظروف بالسماح لترامب تعيين قاض أو قاضيين في رئاسته الثانية، ما يضمن ميل المحكمة العليا إلى اليمين حتى بعد عقود من رحيل ترامب. وهذا يعني أن ترامب يملك صلاحيات مطلقة قلما تمتع بها رئيس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
عاد ترامب الرئيس 45 و47 إلى سدة البيت الأبيض بصفته الرئيس الثاني منذ الرئيس كليفلاند قبل 127 عاما ليخدم فترتي رئاسة غير متتاليتين-وليدخل التاريخ مجدداً بصفته الرئيس الذي يضع أمريكا أولاً ويثير عواصف في الداخل الأمريكي المنقسم الذي لم يسمح لترامب بالفوز حتى بـ50٪ بالتصويت الشعبي. وبالتالي يعمّق حالة الانقسام المجتمعي والسياسي الحاد، ويثير قلق الحلفاء قبل الخصوم في الخارج، بشخصيته المتمردة غير التقليدية وقراراته الشعوبية وصراحته الصادمة…
حتى قبل عودته التي هي أشبه بفيلم هوليوودي أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، نجح بترويج أفكاره الممزوجة بتهديدات، فقط ترامب يتقنها. فهدد قبل شهر من عودته مظفراً إلى البيت الأبيض في رسالة علنية لنتنياهو وحماس بإثارة الجحيم في الشرق الأوسط إذا لم يطلق سراح الأسرى المحتجزين لدى حماس في غزة، قبل تسلمه منصب الرئاسة في 20 يناير الجاري.. وفي ذلك رسالة إلى نتنياهو ليتوقف بالعبث وإضاعة الفرص والتسويف ولوم حماس بتعطيل المفاوضات المضنية التي تقودها قطر منذ أكثر من عام وخاصة منذ نوفمبر 2023 بعد صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن الأولى. وبسابقة أرسل ترامب ستيف ويتكوف رجل العقارات اليهودي من نيويورك مبعوثه إلى الشرق الأوسط، للمنطقة ليجتمع مع المسؤولين الإسرائيليين ويسمعهم إنذاراً أخيرا، ويجتمع مع الوسطاء في قطر ويشيد بجهود رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن، لدوره المهم والحاسم للتوصل لصفقة وقف إطلاق النار على ثلاث مراحل وتبادل الأسرى والرهائن في المرحلة الأولى وعلى مدى 42 يوماً بدأت في 19 يناير، وقبل يوم من تنصيب الرئيس ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن ترامب يتجه لتعيين ويتكوف مبعوثه إلى إيران.
يبدو ترامب في نسخته الثانية أكثر خبرة وقدرة على التعامل مع الملفات الشائكة والمعقدة. فهو لا يريد أن يُقحم في حروب ولن يخضع لابتزاز نتنياهو الذي يسعى لتوريطه مع إيران، بل يريد علاقات وصفقة مع إيران يجمد برنامجها النووي حتى لا تمتلك القدرات النووية في عهده. ويريد كما أوضح في اتصال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلطان بترامب أن تستثمر السعودية 500 مليار دولار في الولايات المتحدة وربما حتى تريليون دولار.
كما سيسعى ترامب لتوسيع شراكات اتفاق إبراهام بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل على خلفية وقف حرب غزة والعمل لقيام دولة فلسطينية وتوقيع اتفاقية أمنية مع السعودية. ويضع نهاية لحرب روسيا على أوكرانيا، والانخراط في حرب تجارية ورسوم مع الصين. ويفرض على الحلفاء في حلف الناتو زيادة ميزانية الدفاع إلى 5٪ من مجمل الناتج القومي… وستبقى عين ترامب على جائزة نوبل للسلام ليختم حياته السياسية القصيرة العاصفة!!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد