لماذا تكرر انتصار غزة

mainThumb

18-01-2025 01:46 PM

قلت سابقا.. إن غزة ليست أجمل المدن العربية وليست أغناها ، وليست شواطئها أشد زرقة وأكثر جمالاً من بعض الشواطئ الأخرى ،كما يقول محمود درويش.

وليس في غزة نفط ولا غاز ،ولا مناجم ذهب أو نحاس.
ولكن في غزة تولد فكر التمرد على الساده وصناع القرار ،فأصبحت غزة تعادل تاريخ أمة ،وأعادت المجد التليد لها ،وقد تحررت من كل صفات الذل والخنوع والإستسلام والإنكسار.

فأصبحت الأكثر قدوة، والأشد قدرة على تعكير مزاج العدو الصهيوني المحتل وأعوانه وأذنابه ،والكابوس الاشد لإقلاق راحته ،وقد تمدد في كل الاتجاهات ،سعياً لتحقيق حلم اسرائيل الكبرى ، تارة في التطبيع وكثرة توقيع الإتفاقيات والمعاهدات ، وتارات في الإذلال وخلق الفتن والمؤامرات، يقصف تارة هنا وينتهك السيادة هناك بلا حسيب ولا رقيب.

ولهذا تعرضت غزة إلى العديد من المؤامرات الدولية والإقليمية لتصفيتها، كان من وجوه ذلك الحصار الخانق، وتكرار العدوان العسكري الصهيوامريكي ،خلال عام 2008، ثم تكرر عام 2012،ثم تكرر بشكل أعنف وأقوى عام 2014، ثم تجدد في رمضان عام 2021،وأتمنى أن يكون آخرها، إعلان الحرب على غزة، بعد الحادثة والحدث الفارق الذي جرى في السابع من أكتوبر عام 2023، تلك الحرب التي تستمر عملياتها العسكرية حتى اليوم.
وبعد نحو 469 يوماً من الحرب الصهيوامريكية، الشرسة والظالمة على غزة، وبالرغم من إستخدام كل أساليب البطش والمنع والحصار والتجويع، وما رافقه من إرتكاب لكل مسميات الإجرام والإبادة والإرهاب، والخرق الواضح لكل نصوص القانون الدولي، والدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الأربع، الذي أدى وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، إلى استشهاد أكثر من 46707 أشخاص، وجرح أكثر من 110265شخص ، فيما بلغ عدد المفقودين أكثر من 11200شخص،جل ذلك وأكثرهم من الأطفال والنساء.

وتسبب العدوان الصهيوامريكي المجرم، بنزوح نحو مليوني شخص وتهجيرهم ، فيما تعرض أكثر من 170812مسكن ومأوى للتدمير الكلي أو الجزئي، وطال ذلك الدمار المستشفيات والمراكز الطبية وسيارات الإسعاف، كما طال المدارس والمساجد والكنائس والمؤسسات التابعة لوكالة الغوث للأونروا.

بالرغم من كل الدمار والقتل والجرح والتشريد، سابقا ولاحقاً وحتى اللحظة، وفي كل عدوان وإجرام صهيوأمريكي، تخرج غزة هي وحدها التي ترفع إشارة النصر.
نعم انتصرت غزة سابقاً ولاحقاً، وفرضت فصائل المقاومة الشعبية كلمتها بقيادة حركة حماس.

انتصرت غزة بعد أن تصدت لمخططات الإحتلال الصهيوني وداعميه، لتصفية القضية الفلسطينية، وحققت شروطها في مفاوضات الهدنة التي ستبدأ غدا الأحد ، وتم الإتفاق على تفاصيلها، لتشمل الإتفاق الكامل لوقف العدوان، والسماح بعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، وانسحاب جيش الاحتلال الصهيوأمريكي من القطاع، بما في ذلك محوري نتساريم وفيلادلفيا، وتبادل الأسرى.

نعم انتصرت غزة سابقا ولاحقاً وهذا ليس كلاماً إنشائياً لدغدغة العواطف، بل هو واقع حقيقي إعترف به العدو الصهيوني المحتل سابقا ولاحقا،ومن ذلك ما كتبه الكاتب الصهيوني الشهير آرى شبيت، في صحيفة هآرتس عام 2023،والذي قال فيه.. يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الإعتراف بحقوقهم وإنهاء الإحتلال، ويجب النظر بهدوء إلى دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، إلى أن قال...يجب أن نعترف بالواقع وبأن الفلسطينين متجذرون في هذه الأرض وأحث على البقاء منا.

لماذا أكرر القول.. إن غزة والمقاومة فيها وأهلها انتصروا.. لأن فكرة ومخطط إحتلال غزة، لم يتحقق؛

وانتصرت غزة، لأن الجيش الصهيوامريكي ومن معه من الجواسيس، لم يتمكنوا من استعادة الأسرى الاسرائيليين بالقوة كما زعموا؛

وانتصرت غزة و مقاومتها، لأنهم صمدوا، أمام الطغاة من الصهاينة ومن معهم من ظلمة وجبابرة كل العالم ، ولم ولن يتمكنوا من إنهاء حكم حماس، بالرغم من قول بعض الناعقين بأنهم جاهزون لإدارة قطاع غزة.

وانتصرت غزة و أهلها ومقاومتها، عندما املت شروطها بإعادة فتح معبر رفح؛
وانتصرت غزة عندما وقفت في وجه الطامعين والمحرضين على فكرة التهجير إلى سيناء، من أجل بناء المزيد من المستوطنات؛

وانتصرت غزة عندما أفشلت مخطط الصهاينة وأذنابهم بترحيل قيادات حماس وتفكيك قوتها العسكرية؛

وانتصرت غزة لتضحيات أبناءها دماءهم، عندما افشلت مشروع صفقة القرن وأوقفت قطار التطبيع.
وانتصرت غزة عندما اجهظت حلم حكم المتصهينين من بعض العرب لغزة، وبما يعرف بخطة اليوم التالي لغزة؟

انتصرت غزة ومقاومتها وبدماء أبناءها واشلاء الأطفال، فكان الثأر إن قُتل آلآف من الصهاينة، ودمرت أكثر من 1500 دبابة وآلة عسكرية متنوعة، وهشمت مكانة الجيش الصهيوني، الذي يدعي بأنه لا يقهر، فقهر وهزم بإذن الله، وقتل منه المئات وجرح أكثر من ذلك.

انتصرت غزة ومقاومتها عندما تسببت في نزوح أكثر من 150 ألف صهيوني، وتسببت في خسائر إقتصادية بلغت أكثر من 34 مليار دولار، وعطلت اقتصاد الكيان الصهيوني وأصبح في حالة عجز.

انتصرت غزة فحصلت على تعويض لكل أسرة، وحصلت على إعادة إعمار لكل غزة.

وأما الغنيمة الكبرى..في تحقيق النصر..، هي الحياة بشرف وكرامة وعزة، دون إذلال وهيمنة أمريكا والكيان الصهيوني عليها، إذ انتزعت غزة كرامتها بقوة وبسالة .

أما من يتحدث عن الخسائر البشرية والمادية، فأقول... إن خسارة الأرواح لا تعدلها كل أنواع ومسميات التعويض، ولكننا نؤمن بأن الله تعالى هو الذي تكرم وأعطى، وهو الذي تفضل وأخذ وهو سبحانه الذي اشترى ووعد بالجنة.

نعم يعز علينا فراق الشهداء كما يعز على أسرهم، ولكن تلك هي سنة الله تعالى، بأن تكون التضحية بالنفس والدم، من أجل كرامة الأحياء.
فهم أحياء عند ربهم يرزقون كما وصفهم المولى سبحانه.

ختاما.. نعم انتصرت غزة ولم تمكن العدو وزبانيته وعرابوه ومؤيدوه من تحقيق أحلامهم، وذلك بشهادة
رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست:الذي اعترف بأن الصفقة التي تم إقرارها، تخاطر بمستقبل إسرائيل وستبكي عليها لأجيال.

وإعتراف الوزيرين المتطرفين، سموتريتش وابن غفير، بعد أن هددا بالاستقالة من الحكومة، وإن إنهاء الحرب الآن يعني شيئا واحدا: إسرائيل فشلت في تحقيق أهداف حربها.

يا شعبنا العربي في فلسطين.. كل فلسطين عموما، وفي غزة العزة خصوصاً ...هنيئا لكم نصركم، وشهداءكم وجرحاكم.
هنيئا لكم ما قدمتم، وقد جعلتم كل الأحرار من شعوب الأرض قاطبة إلى جانب قضيتكم.
هنيئا لكم النصر والشهادة.
هنيئا لكم بما صبرتم على الجراح والجوع والتنكيل والاذلال، فنعم عقبى الدار، وقد علمتم الأجيال.. أن الحق لا يسترد إلا بالتضحية والفداء.

هنيئا لكم.. وقد اضفتم إلى العناوين الشهادة والاحتساب، عناوين، صبر الأمهات والبنات والشقيقات والأطفال،وهم يودعون الشهداء بالزغاريد؟

واقول لدعاة التحدي والعنجهية والظلم، ومن معهم من أهل الانهزام والاستسلام، الحق ابلج.. وإن تعاظم أهل الظلم وتكاتفوا.
وأما أهل الشجب والادانة والتحذير، من ذوي القربى ،شاهت وجوهكم.. وعليكم من الله ما تستحقون، ولسوف تسألون عن كل نفس قتلت، وعن قطرة اريقت، وأقول.. لهم ولغيرهم... والله لا يهزم من يرقص على أنغام الموت وكأنها حياة!
وهي فعلا حياة الشهداء، فمعزوفة التضحية والفداء وطلب الشهادة في سبيل الحق والدفاع عن الأوطان، لا يجيدها ولا يطرب لها، إلا المؤمنون بعدالة قضيتهم، ولو خذلهم ذوي القربى، أو تخلى عنهم أهل الأرض قاطبة.

لأنهم على يقين بما أعد الله لهم في الدنيا، من نصر وعز وتمكين، وما لهم في الآخرة من جنة عرضها السموات والأرض، لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
سلامٌ على غزة وأهلها وشهداءها وجرحاها وكل ذرة تراب على أرضها الطهور، قريبا ستجد من يتمم بها ليسجد شاكراً على عظيم الفتح والنصر.

أهل غزة.. علموا العالم كله، أن الحق أحق أن يتبع، وصبروا على كل أنواع الإجرام الصهيوامريكي، وتحملوا الأذى، وذاقوا مرارة الخذلان، فسبقوا في الشهادة، وسبقوا في التضحية، وسبقوا في الصبر.

‏469 يوماً.... تحت القصف والتجويع والقتل والإبادة والدمار، ولم يركعوا، وقد علموا الدنيا معنى الصمود في سبيل الحق...
أهل غزة.. ‏"سَلامٌ عَلَيكم بِما صَبَرتُم"..
#غزة #تنتصر.
كاتب وباحث أردني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد