مثقفون ولكن

mainThumb

10-01-2025 11:48 PM

بِكُلِّ سُهُولَةٍ يُمْكِنُ جَرْدُ أَسْمَاءِ الْمُثَقَّفِينَ ، كَمَا يُمْكِنُ جَرْدُ أَسْمَاءٍ تَتَزَيَّنُ بِهَا الرُّفُوفُ وَ الدَّوَاوِينُ ، لَكِنَّ مِيزَانَ التَّرْشِيحِ كَفِيلٌ أَنْ يُفْرِزَ الْخَامَاتِ وَ يَشْفِيَهَا ، مِنْ خِلَالِ جِهَازِ قِيَاسٍ مُحَدَّدٍ ، لَهُ مُؤَشِّرَاتٌ وَضَوَابِطُ غَالِبًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهَا الْعُقَلَاءُ وَ الْمُنْصِفُونَ لَا نَخْتَلِفُ ، قَدْ يَكُونُ الْمُثَقَّفُ رَقْمًا فِي الْمَعْرِفَةِ ، وَ قَدْ يَكُونُ رَقْمًا فِي الْكَفَاءَةِ ، أَوْ قُلْ حَتَّى فِي مِيزَانِ الْإِبْدَاعِ .
هُنَاكَ مَوَازِينُ يُوزِنُ بِهِ الْمُثَقَّفُ أَوَّلُهَا مَدَى تَمَسُّكِ الْمُثَقَّفِ بِمِيثَاقِ الشَّرَفِ ، الَّذِي يَضْبِطُ سَلَامَةَ التَّوَجُّهِ ، الَّذِي يَضْمَنُ سَلَامَةَ الْوُجْهَةِ ، وَاحْتِرَامَ قِيَمِ الْعُلْيَا لِلْمُجْتَمَعِ وَ الَّتِي تَحْمِيهَا الْمَوَاثِيقُ الدَّوْلِيَّةُ وَالشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ ، وَ الَّتِي لَا يَسْمَحُ انْتِهَاكُهَا وَ الدَّوْسُ عَنْهَا بِدَافِعِ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ الرَّأْيِ ، احْتِقَارَ الْأَدْيَانِ وَالثَّقَافَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمَوْرُوثَةِ وَ الَّتِي تُمَثِّلُ خُصُوصِيَّةَ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ .
فِي مَظْهَرِ الْكَرْنَفَالِيِّ تُثَارُ فَزَعَاتٌ إِعْلَامِيَّةٌ كَبِيرَةٌ ، تَفْتَحُ لَهَا مَنَابِرُ إِعْلَامِيَّةً مَأْجُورَةً تُدَافِعُ بِشَرَاسَةٍ عَنْ أَسْمَاءٍ مُحَدَّدَةٍ مَعْرُوفَةٍ انْسَلَخَتْ عَنْ رُوحِ هُوِيَّتِهَا ، قَدْ تُصَنَّفُ فِي إِطَارِ الْخِيَانَةِ الثَّقَافِيَّةِ ، حِينَ يَكُونُ الْمُثَقَّفُ مِعْوَلَ هَدْمٍ لَا وَسِيلَةَ بِنَاءٍ ، حِينَ يَبِيعُ وَلَاءَهُ وَوَطَنِيَّةً لِعَدُوِّهِ ، فِي اعْتِقَادِي أَنَّ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ جُنُودُ مُرْتَزَقَةٍ ، هَانَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ ، بَدَلَ أَنْ يَكُونَ نُصْرَةً لِقَضَايَا شُعُوبِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ يَنْحَرِفُونَ فِي سَاعَاتِ الْمَخَاطِرِ ، وَ الْمُؤَكَّدُ أَنَّ الْمُثَقَّفَ الْحَقِيقِيَّ لِسَانُ حَالِ قَوْمِهِ وَأُمَّتِهِ ، مُهِمَّتُهُ وَضْعُ بُوصْلَةِ الْمَشْهَدِ فِي اتِّجَاهِهِ الصَّحِيحِ .
مَا يَعْرِفُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُكَرِّرَ أَنَّ رِسَالَةَ الثَّقَافَةِ وَالْفَنِّ وَالْإِبْدَاعِ هِيَ الْتِزَامٌ إِنْسَانِيٌّ وَأَخْلَاقِيٌّ فِي أَصْلِهَا ، فَإِذَا تَجَاوَزَ الْمُثَقَّفُ هَذِهِ الْمَبَادِيءَ بِدَعْوَةِ الْحُرِّيَّةِ وَ التَّحَرُّرِ مِنْ الْقُيُودِ وَالِالْتِزَامَاتِ ، فِي اعْتِقَادِي هُوَ هُرُوبٌ وَ تَجَاوُزٌ لِقِيَمٍ مَعْرُوفَةٍ لَا يُخْتَلَفُ حَوْلَهَا ، فَمَا تَفْسِيرُ حِينَ يَصْمُتُ الْمُثَقَّفُ عَنْ تَنَهِّي الْحُقُوقِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي مَنَاطِقَ مَعْلُومَةٍ ، بِيَمَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ إِذَا أُعِدَّتْ قِطَّةٌ فِي الْجِهَةِ الْأُخْرَى ، إِنَّ هَذِهِ الِازْدِوَاجِيَّةَ مَرْفُوضَةٌ ، بَلْ هِيَ كَيْلٌ بِمِكْيَالَيْنِ .
حِينَ نَتَأَمَّلُ الْمَشْهَدَ الَّذِي تَعِيشُهُ الْأُمَّةُ وَ الْأَوْطَانُ فِي خِضَمِّ هَذَا الصِّرَاعِ الْقِيَمِيِّ وَالْحَضَارِيِّ الْمَصِيرِيِّ ، يُصْبِحُ الصَّمْتُ خِيَانَةً ، حِينَ يَسْتَقِيلُ الْمُثَقَّفُ عَنْ الْمَشْهَدِ ، إِمَّا اسْتِقَالَةً طَوْعِيَّةً وَ أَحْيَانًا إِسْتِرَاحَةً مَأْجُورَةً ، وَ أَحْيَانًا يَصْرُخُونَ عِنْدَمَا تُعْطَى لَهُمْ الْإِشَارَةُ وَ يَخْرِصُونَ حِينَ تُوضَعُ الْإِشَارَةُ ، ، فَبِئْسَ الْمُثَقَّفُونَ هَؤُلَاءِ ، وَ الْمُثَقَّفُ عِنْدَ أُمَّتِهِ ضَمِيرُهَا الْحَيُّ وَ شِرْيَانُهَا النَّابِضُ .
فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الْمَرَضِيَّةِ يَسْتَحِيلُ الْمُثَقَّفُ مَرَضًا مُزْمِنًا يَنْخُرُ جِسْمَ الْأُمَّةِ الْعَلِيلَ ، بَلْ يَصِحُّ لَنَا أَنْ يُنْعَتَ بِغَيْرِ مُسَمَّاهُ ، فَيَكُونُ كَمَا أَطْلَقْتَ عَلَيْهِ مُثَقَّفٌ غَيْرُ . . مُثَقَّفٍ ، وَ يَبْقَى الْجَدِيرُ بِالْقَوْلِ أَنَّ الْمُثَقَّفَ عَمُودُ أَيِّ نَهْضَةٍ ، وَ هُوَ صِمَامُ أَيِّ سُقُوطٍ وَ انْحِدَارٍ ، فَالْأُمَّةُ تَرْتَفِعُ بِعِلْمِ الْمُثَقَّفِ ، وَ حَيَوِيَّةِ وَ نَشَاطِ الْمُثَقَّفِ ، وَ يَبْقَى ضَمِيرُهُ الْحَيُّ الَّذِي يَقُودُهُ دَائِمًا لِلطَّرِيقِ السَّلَامَةِ الْآمِنِ ، خِدْمَةً لِلْأَوْطَانِ وَ الْإِنْسَانِيَّةِ .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد