حين تتهاوى الأخلاق

mainThumb

09-01-2025 12:16 AM

لَيْسَ مِنْ طَبْعِي الْبَوْحُ الْحَزِينُ ، لَكِنْ أَحْيَانًا يَدْفَعُكَ هَوْلُ الصَّدْمَةِ دَفْعًا لِتَبُوحَ بِبَعْضِ مَا تُحِسُّهُ ، أَمَلًا أَنْ نُحْيِيَ نَفَائِسَ أَخْلَاقٍ فَقَدْنَا بَعْضَ أَنْوَارِهَا ، يَعْصُرُنَا أَلَمٌ دَاخِلِيٌّ ، حِينَ تَمُوتُ فِينَا خِلَالَ كَانَتْ حَيَّةً ، كَانَ يَرْعَاهَا الْأَبَاءُ وَ الْمُرَبُّونَ ، أَقُولُ يَحِنُّ أَمْثَالِي لِدِفْءِ مَشَاعِرَ وَ أَحَاسِيسَ تُزَيِّنُهَا ذَوْقِيَّاتٌ رَاقِيَةٌ ، بِفَقْدِهَا نَشْعُرُ بِالْأَسَى تَتَعَجَّبُونَ وَ يَحِقُّ لَكُمْ التَّعَجُّبُ .

حِينَ تَغِيبُ الْبَسْمَةُ فِي الْوُجُوهِ ، وَحِينَ تَتَبَلَّدُ الْمَشَاعِرُ ، وَتَقْسُو الْمُعَامَلَةُ ، وَيَشْرَدُ الدُّهْنُ ، وَيَغِيبُ الْحُضُورُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ أَقُولُ وَآسِفَاهُ .

حِينَ تُخْنَقُ الْمَشَاعِرُ فَيَكُونُ لِقَاءً بِلَا سَلَامٍ ، تَتَشَابَكُ الْأَيَادِي مَمْدُودَةً وَالْوَجْهُ مَصْرُوفُ الْوُجْهَةِ ، يَنْظُرُ إِلَيْكَ عَابِسَ الْوَجْهِ ، يَلْبَسُ الْحُزْنَ مَلَامِحَهُ ، كَأَنَّ الزَّمَانَ وَ الْمَكَانَ حَرَمَهُ جَنَّةَ الْخُلْدِ .

مَاذَا يُصِيبُ أَمْثَالِي حِينَ يَذْبُلُ الْغَرْسُ ، وَ يُصْبِحُ إِلَى دُنُوِّ الْمَوْتِ أَقْرَبَ ، حِينَ تَجِفُّ الْعَوَاطِفُ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِ الْمُجْتَمَعِ ، فَيُحْرَمُ مِنْهَا الْأَحْبَابُ وَالْأَصْحَابُ وَذَوِي الْقُرْبَى فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ يُصِيبُ أَمْثَالِي حُزْنٌ عَمِيقٌ .

نَحْنُ لِجِيلٍ يَتَرَبَّى عَلَى الِاحْتِرَامِ ، نَجِيلٌ يَرْعَى حَقَّ الْكَبِيرِ ، يُؤَدِّي حَقَّ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ ، وَ يَعْرِفُ قَدْرَ الْعَالَمِ ، يَبْخَلُ فِيهِ صَاحِبُ الْفَضْلِ وَ فَيَعْلُو قَدْرُهُ ، هَكَذَا نُحِبُّ أَنْ نَكُونَ ، وَهَكَذَا نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ غَرْسُنَا .

يَأْسُفُ أَمْثَالِي حِينَ يَرَى صُوَرَ الْمَشَاعِرِ الْبَاهِتَةِ فِي الْمَجَالِسِ وَ الْأَنْدِيَةِ وَالْبُيُوتِ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ ، حِينَ تَرْصُدُ كُلَّ يَوْمٍ فَوَاجِعَ مُثِيرَةً ، حِينَ تُبْصِرُ إِثَارَةَ اغْضَبْ لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ فِي الْبَيْعِ وَ الشِّرَاءِ وَ فِي أَمَاكِنِ الْخِدْمَاتِ ، وَ كَانَ بِإِمْكَانِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكْظِمَ غَيْظَهُ ، أَوْ يُلْجِمَ لِسَانَهُ ، أَوَيَحْبِسَ أَنْفَاسَ الْأَذَى ، لَيْتَهَا تُعَوَّضُ بِالْجَمَالِيَّاتِ وَالذَّوْقِيَّاتِ وَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ .

نَأْسَفُ حِينَ نُسَجِّلُ مِثْلَ هَذِهِ الذَّوْقِيَّاتِ الْبَاهِتَةِ الْبَارِدَةِ ، فَإِنَّهَا تُرْجِعُنَا أَشْوَاطًا لِلْوَرَاءِ ، بَلْ تَرْدِمُ مَاضٍ جَمِيلٌ كَانَتْ تُجَمِّلُهُ الْمَكَارِمُ وَ الْمَحَاسِنُ ، كَانَتْ تُزَيِّنُهُ السَّجَايَا الرَّاقِيَةُ ، تُزَيِّنُهُ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ ، لَا شَكَّ أَنَّ الْمُجْتَمَعَ تُقَوِّي لُحْمَتَهُ الْوَفَاءُ وَالرَّحْمَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالتَّقْدِيرُ الْمُتَبَادَلُ ، تِلْكَ الْأَخْلَاقُ الَّتِي تَجْعَلُ أَفْرَادَ الْمَدِينَةِ جِسْمًا وَاحِدًا ، يَتَّصِلُ بِالْحَيَاةِ سَعْيًا وَكَدًا ، وَ لَكِنَّ الْقَلْبَ وَ الْوِجْدَانَ وَالْقُلُوبَ عَامِرَةٌ بِالْمَحَبَّةِ وَالتَّآخِي وَالتَّسَامُحِ .

أَنْ سَعَةَ الدُّنْيَا وَخَيْرَهَا فِي الْفَرْدِ الصَّالِحِ الَّذِي مَلَاكُ نُبْلِهِ وَ عُلُوِّ مَكَانَتِهِ فِي أَخْلَاقِهِ ، الَّذِي نَبَّلَهُ فِي اللَّطَائِفِ الَّتِي يَتْرُكُهَا حَيَّةً فِي نُفُوسِ غَيْرِهِ ، إِنْ حَضَرَ أَوْ غَابَ مَلِكَ الْجَمِيعِ بِدِفْءِ حُضُورِهِ أَوْ غِيَابِهِ ، لِأَنَّ آسِفَنَا إِذَا تَهَاوَتْ تِلْكَ الثَّمَرَةُ فِي حَيَاتِنَا ، حَقُّنَا لَنَا أَنْ نَقُولَ بِكُلِّ آسِفٍ عَلَى الدُّنْيَا السَّلَامُ .






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد