الخيانة التي مزقت الاوطان

mainThumb

08-01-2025 10:42 PM

الاحتكار، سواء كان للبضائع أو للوطنية، يعكس جوهر الخيانة التي تُمزق المجتمعات من الداخل. في سياق القضية الفلسطينية، تبدو الخيانة أداة استعمارية تُسخّر العملاء والجواسيس لإضعاف المقاومة وتمزيق النسيج الوطني. القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي معركة وجود وهوية، خاضها الشعب الفلسطيني ضد قوى الاحتلال وأعوانها من الداخل والخارج.
عبر التاريخ الفلسطيني، ظهرت محطات كثيرة تجسد خيانة العملاء للقضية. في عام 1948، عندما كانت القوات الصهيونية تحاصر القدس، تواطأ أحمد صبري، أحد العملاء، مع الاحتلال لاغتيال القائد عبد القادر الحسيني، الذي استُشهد في معركة القسطل بعد أن خانه المقربون. هذه الخيانة كانت بداية سلسلة طويلة من تسريبات الأراضي والمعلومات التي أضعفت المقاومة، مثلما حدث في قضية تسريب الأراضي في سلوان خلال السبعينيات، والتي استخدم الاحتلال فيها شبكة واسعة من العملاء لتفريغ الأحياء الفلسطينية من سكانها.
وفي الستينيات والسبعينيات، لعب العملاء دورًا خبيثًا في تعقب واغتيال قادة المقاومة الفلسطينية. كانت خيانة أحد العملاء سببًا مباشرًا في اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988 في تونس، حيث كشف تحركاته للاحتلال. كذلك، أسهم العملاء في اغتيال وديع حداد عام 1978، أحد أعمدة المقاومة الفلسطينية، عبر دسّ السم له. هؤلاء العملاء لم يكتفوا ببيع الأرض أو المعلومة، بل سعوا إلى تدمير الروح المعنوية للمقاومين.
وفي الأردن، كانت هناك محاولات عديدة لاستغلال القضية الفلسطينية لزعزعة استقرار المملكة. أحداث أيلول الأسود عام 1970، رغم مأساويتها، كانت نتيجة مباشرة لاستغلال الاحتلال للخلافات بين الفصائل الفلسطينية والنظام الأردني، بهدف تقويض الوحدة الوطنية. لكن الأردن بقيادة الراحل الملك الحسين بن طلال، استطاع تجاوز هذه المحنة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية هي جزء من الهم القومي العربي، وأن الأردن سيظل داعمًا للنضال الفلسطيني حتى تحقيق الحقوق المشروعة.




ولعل الشاعر العربي أبدع في وصف خيانة العملاء بقوة ووضوح:
"يا خائنًا بين الجموع تخفيتَ
والحقُّ في عينِ الأحرارِ بيّنُ
بعتمُ ترابَ القدسِ للمحتلِّ
لكنَّ نجمَ الأحرارِ لن يُوهَنُ"
وفي مواجهة هذه الخيانات، كان الشعب الفلسطيني دائمًا يصحح المسار، متحديًا الاحتلال وأدواته. انتفاضة الأقصى عام 2000 مثال على ذلك، حيث رفض الفلسطينيون القبول بأي تسوية تنتقص من حقوقهم، وأكدوا تمسكهم بالقدس رغم محاولات العملاء والجواسيس لفرض رواية الاحتلال.
التاريخ لن ينسى العملاء، الذين سيظل ذكرهم مرتبطًا بالخزي والعار. أما الشعوب المناضلة، فستبقى صامدة، مستلهمة القوة من ماضيها، ومتمسكة بمبادئها. وكما قال الشاعر:
"إذا خانتْ أرضُكَ بعضَ رجالِها
ففي ترابِها ألفُ بطلٍ يُعيدُ الأملَ."
الشعوب المناضلة لا تُكسر بالخيانة، بل تتعلم منها دروسًا تُعزز من صمودها. لقد أثبت الفلسطينيون في كل مراحل نضالهم أن الخيانة، رغم جراحها العميقة، لا تقوى على كسر إرادة الحرية. فمنذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم، شكلت الخيانة محطة عابرة في تاريخ طويل من الكفاح الوطني، أضاءته دماء الشهداء وتضحيات الأسرى.
أحداث مثل انتفاضة الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000 تُظهر أن الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز محاولات العملاء والجواسيس لإضعاف نضاله. ففي الانتفاضتين، واجه الفلسطينيون الاحتلال وجواسيسه بالحجارة والكفاح الشعبي، مؤكدين أن الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى ضد محاولات الاختراق.
ولعل أعظم رد على الخيانة هو صمود القدس. فبرغم تسريب بعض الأراضي والمنازل في سلوان والشيخ جراح عبر العملاء، إلا أن المقدسيين، بدعم من الأردنيين وغيرهم من الأحرار، استطاعوا الحفاظ على هويتهم ومقاومة التهويد. هذا الصمود يظهر بوضوح في هبة باب العامود عام 2021، عندما وقف الفلسطينيون صفًا واحدًا للدفاع عن المسجد الأقصى وكرامة مدينتهم.
الأردن بدوره لم يكن بعيدًا عن هذه المعركة. فالمملكة، التي تحملت عبء استضافة اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة، ظلت تدافع عن القضية في المحافل الدولية. الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ليست مجرد موقف سياسي، بل هي التزام تاريخي وروحي تجاه فلسطين وشعبها. وفي الوقت ذاته، استطاع الأردن أن يواجه محاولات الاحتلال لإثارة الفتنة بين الشعبين الفلسطيني والأردني، مؤكّدًا أن الشعبين شريكان في المصير.
وفي مواجهة هذه المؤامرات، تظل الوحدة الوطنية هي الرد الحاسم. وكما قال أحد الشعراء العرب واصفًا قوة الوحدة في وجه الخيانة:
"إذا اجتمعَ الجمعُ على دربِ الكرامةِ
فلا خائنٌ يبقى ولا وجهُ ظالمِ
فلسطينُ تبقى رغمَ كلِّ محاولٍ
عصيّةً على بيعٍ بسيفٍ غاشمِ"
إن القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي حر، وكل محاولة لزرع الفتنة أو بثّ الخيانة هي معركة صغيرة تخسرها القوى الظالمة أمام إرادة الشعوب. فالتاريخ علّمنا أن الاحتلال والجواسيس والعملاء، مهما بلغ نفوذهم، يزولون. وحدها الشعوب تبقى، لأنها تمتلك جذورًا أعمق من أي مؤامرة، وأقوى من كل خيانة.
وكما قال أحد المقاومين الفلسطينيين قبل استشهاده: "الأوطان تُباع بيد الخونة، لكنها تُستعاد بيد الأوفياء." بهذه الروح، سيبقى الفلسطينيون والأردنيون معًا، حتى يتحقق العدل ويُعاد الحق لأصحابه، ويُمحى ذكر كل خائن في سجلات العار.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد