التلاعب بالعقول
أصبح الإعلام جزءا أصيلا من حياتنا اليومية، والقوة المُحرِّكة للحياة الاجتماعية، والوسيلة التي تحقق أمنيات الأفراد، بطريقة أو بأخرى. فوسائل الإعلام أصبحت خير صديق، خاصة عند الشعور بالوحدة أو عند الرغبة في الاسترخاء؛ ووسيلة الترفيه عند الشعور بالتعب؛ والوسيلة التي يلجأ إليها الجميع لمعرفة أحوال وأخبار العالم، وبنك مختلف المعلومات التي تعطي الإنسان القوَّة عند الحديث والتعامل مع الآخرين، بل أكثر من كل هذا وذاك، أصبحت المعلِّم والمرشد للغالبية العظمى من البشر على وجه الأرض، بما في ذلك الطريقة الصحيحة لتربية الأطفال. وذلك يعني أن وسائل الإعلام صارت القوَّة التي تُشكِّل مجتمعات الغد، وبالتالي تتحكَّم في المستقبل وفي مصائر البشر. وقد يظن البعض أن هذا الكلام مبالغة، وأن الإنسان قادر على أن يعيش بمعزل عن وسائل الإعلام كافة. لكن، للأسف تلك هي الحقيقة! فالفرد حتى لو ابتعد عن جميع وسائل الإعلام وارتكن إلى قراءة الكتب التي يختارها بعناية فائقة، ويصرّ على أن تحتوي على معلومات مفيدة، يجب أن يأخذ في الحسبان أن تلك الكتب هي عصارة اتجاه فكري لشخص آخر، استطاعت أن تؤثِّر فيه وسائل الإعلام، وحتى إن لم يكن الفرد محبًّا للقراءة، فإن التعامل مع البشر في حد ذاته يرسم الاتجاه الفكري للأشخاص، وبالتالي المجتمعات.
وقد بات أتفه الأمور في حياتنا دمية لوسائل الإعلام ورهن إشارة تغيير الآراء فيها. فمن خلال وسائل الإعلام يتم نشر شكل الملابس، وطريقة بناء المساكن، بل عرض المنتجات ولو في أصغر وأبسط المتاجر. وفن الإعلام ليس حديثا ولم تكن بدايته مع تمدُّن البشر، فقد عرفت جميع الحضارات أهمية وسائل الإعلام وبذلك سجَّلت إنجازاتها على جدران المعابد، واختلقت وسائل لنشر الأخبار، لكي تضمن هيمنة الدولة على البشر. وينطبق ذلك أيضا على المجتمعات القبلية، وتلك التي عاشت في الصحراء، وكانوا من البدو الرُّحَّل، أي هؤلاء الكيانات التي ترتحل لأسباب قد تكون خاصة أو قهرية، فقد أدركت تلك المجتمعات البسيطة أن الإعلام جزء أصيل لتسجيل آثارهم وللتعامل مع القبائل الأخرى، أو حتى شن الحروب على الأعداء، خاصة الحروب النفسية، من أجل تسهيل الانتصار في الحروب. والوسيلة الإعلامية التي تناسبت مع ظروفهم الاجتماعية كانت الشعر، الذي تأرجح بين الغزل والمدح والهجاء والتعبير عن مكنونات النفس، ولكن يجب ألَّا نغفل عن أن جميع القصائد بلا استثناء كانت تنطوي على شرط أساسي حتى يقبلها المجتمع وهو، استهلالها بما يسمى بـ»الوقوف على الديار»، وتلك الفقرة خاصة هي التي كانت تسجِّل تاريخ الأفراد والقبائل، وتصبح مرجعا إعلاميا للأجيال اللّاحقة، ناهيك عن باقي الأخبار التي تتناولها القصيدة. ويجب أن لا نغفل أن براعة الشَّاعر التي تعلي من مرتبته كانت تكمن في استخدامه واستحداثه للتقنيات الشعرية التي تلفت انتباه العامة وتجعل الألسنة تتناولها بالحفظ والنشر، وبذلك ينجح من أوعز له بكتابتها أو الشاعر ذاته في أن يرسم الرأي العام ويُشكِّل الوعي الجمعي.
وقام بتحليل تلك الظاهرة هيربرت شيللر Herbert Schiller (1919-2000) الذي أصبح نفسه نجم إعلام بعد تأليفه لكتابه «المتلاعبون بالعقول» The Mind Managers (1973) الذي صنع منه محاضرا دوليا ونجما تلفزيونيا يصنع حلقات يتم تصويرها وبثها فور تسجيلها، دون تعديل أو مونتاج، أي أنه كان طليعة صنَّاع المحتوى وأوَّل المؤثِّرين الإعلاميين الذين انبثق منهم هؤلاء الموجودون على صفحات التواصل الاجتماعي. ويحذِّر الكتاب من الآثار المناوئة للإعلام، وكيف أنه يستفيد من خلال خلق نوع من عدم التكافؤ وعدم المساواة بين البشر، لمجرَّد تحقيق فائدة تعود بالنفع على أشخاص أو فئات بعينها، ولذلك تشجِّع الدول الرأسمالية الكبرى تنمية وسائل الإعلام؛ لأنها تروِّج للسلع التي ينتجونها بشكل أو بآخر، حتى لو كانت صناعات دوائية أو اكتشافات علمية أو طبِّية.
ويحذِّر شيللر من أن تدفُّق المعلومات الواردة في وسائل الإعلام ليس مجَّانيا، كما يظن البعض، فلو كان مجَّانيا من ناحية واحدة فقط، لكنه يكلِّف الكثير من جوانب أخرى لا حصر لها. فالتدفق المعلوماتي يُجبر الأفراد على قبول شغل معلومات بعينها جميع المساحات الأخرى من الوعي والوقت، حتى تتيح الفرصة لمقدِّمي تلك المعلومات للإفصاح عن كل المعلومات الأخرى المكلَّفين بنقلها. وبأسلوبه الساخر المعهود، يؤكِّد شيللر: «لا يوجد شيء مجَّاني فبما يختص بالمعلومات، بل على العكس تماما؛ فقد تم تسعير تدفُّقات المعلومات والرسائل بالفعل، وستظل كذلك لتحقيق أعلى الإيرادات القابلة للاستخراج». وتلك الإيرادات تأتي من قبل الاقتناع بالمنتجات المادية، التي تأتي في مستهل الأمر في شكل معلومة تسكن في أعماق اللاوعي؛ لتسيطر على الاتجاه الفكري للأفراد والمجتمعات. ويؤكِّد شيللر أن تأثير الآلة الإعلامية التي تصدِّرها الدول الرأسمالية يكون لها أسوأ التأثير على الدول الناشئة، على وجه الخصوص؛ لأنه من السهل جدا التلاعب بعقول شعوب تلك الدول من خلال انفتاحهم على دفقات معلوماتية مبهرة، تعدهم بواقع ومستقبل أفضل. لكن تطبيق أي من تلك الأفكار يكبِّد تلك الشعوب المكلومة الكثير من الخسائر؛ لأنها صادرة من مجتمعات لها أيديولوجيات وتقنيات أسسها ضاربة في جذورها الحضارية، ولا يمكن نقل تلك الأفكار والتقنيات لمجتمعات أخرى إلَّا بعد تهيئة المناخ الفكري والبنية التحتية التكنولوجية الأساسية لاستقبال أي أفكار متطوِّرة.
ولكي يكون التلاعب بالعقول أكثر فاعلية، يؤكِّد شيللر، أنه يجب الحرص على ألَّا يكون هناك دليل على وجوده، كي يقتنع الأشخاص الذين يتم التلاعب بهم أن لهم الحرِّية الكاملة في اختياراتهم، وكذلك أن مؤسساتهم الاجتماعية الرئيسية موقفها الحياد من ذاك التدفُّق المعلوماتي. وذلك بالتأكيد عكس الواقع؛ لأنه حتى وسائل الإعلام الأمريكية خاضعة لسيطرة قلِّة قليلة من الشركات «التي تخلق وتنقِّح وتشرف على تداول الصور والمعلومات التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا وسلوكنا في نهاية المطاف»، كما يذكر شيللر في كتابه، وهذا ما أطلق عليه مصطلح «الوعي المعبَّأ» Packaged Consciousness. ولإدراك التلاعب بعقولنا من خلال وسائل الإعلام، أشار شيللر إلى شركة «وارنر» Warner كمثال، فهي ـ كما يذكر – شركة كانت مهيمنة آنذاك «بشكل أساسي على النشر وتلفزيون الكابل والتسجيلات والأشرطة وصناعة الأفلام». وبالنظر للوقت الحالي، فإن منصَّات البث المباشر صارت لها تلك الهيمنة، خاصة على عقول المراهقين والشباب الذين ألفوا على المواد الدِّرامية التي تقدِّمها واقتنعوا بالتوجُّهات الفكرية التي تنشرها.
وللأسف، لم ينج الأطفال من تلك المكيدة الكبرى للتلاعب بالعقول وتصدير «وعي معبَّأ». فأفلام الكارتون وبرامج الأطفال تنشر المحتوى الذي يهدف إلى اعتياد الأطفال على توجهَّات فكرية أو اجتماعية أو حسِّية معيِّنة، من خلال الحوار أو الصورة، وأهم من كل هذا اختيار طاقم الممثلين الذين يقومون بأدوار في الحكايات المقدَّمة، حتى لو كانت مشاهدهم هامشية، ولكن تصر على فكرة الدمج الإجباري لفئات ذات طبيعة غير مألوفة أو غريبة على القيم المتداولة. ولهذا، يتم إبراز مشاهدهم بطريقة وإن بدت عفوية، لكنها ذات تأثير كبير تبقى آثاره في الأذهان. ومن الجدير بالذكر أنه تم منع العديد من برامج الأطفال، سواء في الشرق أو حتى الغرب لاحتوائها على مشاهد وأفكار تروِّج لانحرافات مزاجية وأخلاقية.
ودون أدنى شك، فإن المحتوى المقدَّم على وسائل التواصل الاجتماعي يقع في قفص الاتِّهام. فعلى الرغم من أن المُشاهد يعتقد أن له الحرِّية الكاملة في ما يراه، بيد أنَّ أي تطبيق وسائل تواصل اجتماعي يعمل في بداية الأمر على اختبار مدى استجابة الفرد إلى ألوان مختلفة من المادة الإعلامية، يطرحها التطبيق بشكل متتالٍ، لا يمكن الفرار منه. وبعد مشاهدة الفرد لأي محتوى من هؤلاء حتى نهايته، أو وضع علامة إعجاب، تعمل خوارزميات التطبيق على محاصرته بأكبر عدد ممكن من المحتويات المُشابهة، في حين تحجب المحتويات الأخرى، لدرجة تجعله يجهل وجودها. ويرفض شيللر مصطلح ثوري، لأنه لطالما كانت هناك أطراف تستفيد من التغيير الذي يطرأ، ولهذا فإنه يعتقد أن «الثورية» ليست حقيقية، بل هي «فكر مُعبَّأ» وهناك من يسعى من جرَّائه لاستغلال المنظومة الاجتماعية بصورة وحشية، حتى لو كان ينكر التأثير المقصود، وكذلك مقدار النفع الذي يعود عليه من قبل ذاك التأثير.
لقد أصبحت وسائل الإعلام الرقمية بعد العقد الأوَّل من القرن الواحد والعشرين المتلاعب الأكبر بالعقول بسبب سهولة الولوج لها عبر الهاتف الذكي، الذي أصبح لصيقا بالبشر، ويعلم الكثير عن صاحبه، ويجمع معلومات عمَّا يطرأ عليه من مستجدَّات على مدار السَّاعة. المستقبل الذي أصبح كلِّيا ألعوبة في يد وسائل الإعلام الرقمية، سوف يصبح بؤرة من المعاناة والوحدة التي يرسو خلفها العديد من الأيديولوجيات الغريبة والمشاعر المُعقَّدة والاتجاهات الفكرية والنفسية غير المسبوقة، وجميعها تتطلب عمل دراسات لدرء أخطار وسائل الإعلام، لكن سوف يعمل المستفيدون على نشر المقاطع التي تُزجي من تأثيرهم، لخلق هيمنة جديدة على أسس أقوى، ويكون تأثير تلاعبها بالعقول أشرس، ومن الصعب التخلُّص منه للأبد أو حتى تغييره، ولو قيد أنملة.
تواصل فعاليات عيد الفطر في المدرج الروماني
الاتصال الوطني يتلقى 5035 مكالمة خلال العيد
تصعيد إسرائيلي دموي في غزة وهجوم على رفح
تسمية الطواقم التحكيمية لإدارة مباريات الجولة 18 بدوري المحترفين
موسكو تدرس إرسال موفد لواشنطن وتنفي لقاء بالرياض
رسائل مشفرة تهدد الوصاية الأردنية واقتحام الأقصى
ترامب يدرس العرض الإيراني لمحادثات نووية غير مباشرة
الاحتلال يقصف عدة مناطق في سوريا
فرنسا تسعى لتعزيز التعاون العملي مع الجزائر
قائمة لاعبات منتخب الشابات المشاركات ببطولة غرب آسيا
غارة إسرائيلية تستهدف مركز بحوث دمشق
سائق مركبة يعرّض سلامة مستخدمي الطريق لخطر محقق والأمن يتحرك
محاكمة مجرمي نظام الأسد بانتظار محاكم العدالة الانتقالية
الأردن ومصر يحذّران من تبعات النهج التصعيدي الإسرائيلي الخطير
بعد الإساءة لها علناً .. تطور مفاجئ بين ياسمين صبري ومحمد رمضان
عالم فلك أردني يحسم الجدل حول رؤية الهلال وتحديد موعد العيد
هل دفعت السعودية 1.6 مليار ريال كفارة عن إفطار خاطئ
للأردنيين .. تنويه هام بخصوص دوام الخميس
غرامة تصل إلى 500 دينار لمرتكبي هذه المخالفة .. تحذير رسمي
جريمة قتل تهزّ القويسمة عشية العيد: مقتل شاب وإصابة 3
مواعيد صلاة العيد في مدن ألمانيا الكبرى
جريمة قتل مروعة تهزّ الشونة الجنوبية في رمضان
الفوسفات تكسب قضية وتفوز برد دعوى بـ50 مليون
فلكي سعودي : رؤية هلال شوال تتحقق مساء السبت .. وعيد الفطر الأحد
الأمن يكشف تفاصيل جديدة في جريمة القويسمة
عودة الأمطار والرعد والغبار .. تفاصيل حالة الطقس
الكشف عن صفقة بملياري دولار لقادة حماس
نائب أردنية تطالب بمنع عرض فيلم Snow White بسبب مشاركة مجندة اسرائيلية