العضلات تبيح المحظورات

mainThumb

08-01-2025 03:09 PM

في يومنا هذا جاءنا في الشرق الأوسط من يقول، إن حلب مدينة تركية وإن القنيطرة والجولان السوري وجبل الشيخ وأجزاء من درعا جغرافيا مشروع مصادرتها من قبل الاحتلال الإسرائيلي حسب زعمه. وفي ناحية أخرى من العالم جاءنا الرئيس الأمريكي العائد إلى الحكم دونالد ترامب، الذي عادت قريحته التوسعية إلى الهيجان، ليتوعد المكسيك بالضم، باعتبارها أرضا أمريكية، حسب زعمه، وأن قناة بنما لأمريكا دونما أي سيطرة مسموحة لأي كان عليها بخلاف بلاد العم سام.
جنون في جنون يضرب العالم أمام بطش القوي وشرعنته، للضم والكسر والشطب والتهجير.. تهجير باتت غزة وعموم فلسطين عنواناً مستفحلاً في رأس بنيامين نتنياهو رئيس حكومة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال. هذه الهستيريا الاستعمارية المتجددة، وما يصحبها من محق للفلسطينيين، أطاحت بكامل منظومة القيم التي أشبعنا البعض وعظاً وتنظيراً بخصوصها، ومنهم مجموعة المانحين والمؤسسات الدولية والدول المزورة حول الأرض، لينفضح أمرهم مع استمرار محرقة غزة على مدار ما يقارب 470 يوماً. ولعل حال كهذه يذكرنا بقفشات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي تملكه شعور بالعظمة ذات يوم فألحق مصطلح العظمى باسم بلاده وراح ينسب كل شيء للعرب.
شكسبير لدى القذافي ومع استفحال الشعور بالعظمة، بات عربي الأصل واسمه الحقيقي الشيخ الزبير، بينما أصبحت جزيرة صقلية الإيطالية عربية الأصل لينسب القذافي اسمها إلى فارس عربي ذهب بسيفه ذات يوم إلى حدّاد بغرض صقل ذلك السيف فقال له: أصقل لي إياه.. لتصبح هذه المقولة بمثابة شهادة بعروبة الجزيرة، حسب القذافي. نهفات القذافي هذه التي لا حصر لها، أعادت إلى الذاكرة ما يمكن تصديقه مقابل ما يمكن تسطيحه. فإذا ما جاء الكلام من قوي متجبر بات ذلك الكلام مصدقاً وحقيقة لا يمكن تفنيدها. أما إذا أتى الكلام من ضعيف متباه فلا تجده إلا وقد تحول إلى سبب للتندر والاستهزاء، وعليه فإن القوة تبيح المحظورات. ولعل ما جرى ويجري في فلسطين وما صاحبه مما جرى في لبنان وسوريا والقائمة ستطول، ليؤكد أن من يملك القوة إنما يملك القرار والفعل، وهو من تسقط أمامه كل القوانين الدولية، وحقوق الإنسان، ومنظومات القيم والأخلاق البشرية، وليدوسها جميعاً وفق سُمْكِ عضلاته وجبروت قوته ودموية قدراته. وعليه فإن العضلات تبيح المحظورات وتفرض الواقع وتغير مسارات التاريخ، أو تغرق البشرية في حروب طاحنة ونزاعات لامتناهية لا طائل منها. لقد قدمت فلسطين على مدار عام ونصف العام تقريباً درساً يؤكد في ضراوته وتفاصيله مقولة: العضلات تبيح المحظورات، فهل تستفيق البشرية قريباً أم تبقى ضحية مدعي القيم الوهمية، وأباطرة الكذب، وأصحاب النظريات الافتراضية التي لا تتعدى كونها مقيدة في تطبيقها لتعوم في عالم الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ ننتظر ونرى.


كاتب فلسطيني






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد